سقطت فكرة الانتصار الروسي في حرب خاطفة في سورية. فضرب قواعد الإرهابيين التي ترى روسيا أنها تشمل «داعش» والمعارضة المعتدلة، أمر غير ممكن عملياً. ففي سورية عدد كبير من التنظيمات المستقلة المقاتلة التي تنتهج نهج حرب عصابات. ولا تملك هذه التنظيمات بنية مركزية ولا إدارة مركزية. وعليه، استهدافها بالقصف هو مثل ضرب السيف في المياه أو الهواء.
والحق أن الانتصار على حركات شعبية بواسطة القصف الجوي مستحيل ومتعذر تقنياً. وهو يقتضي عملية برية يرفض الكرملين شنها. وكان من المفترض أن تتولاها (العملية البرية) قوات الأسد. ولكن يبدو ان قدراتها غير كافية. إذ تعثرت السيطرة على حلب، وهذا واقع لا ينكره المحللون العسكريون الروس الأكثر قرباً من الكرملين.
ولم يبلغ هجوم الأسد أهدافه، ورقعة المنطقة الواقعة في قبضته لم تتوسع. ولذا، تجبه روسيا البوتينية مشكلة خطيرة. وقضت خطة بوتين بأن تشن القوات الروسية الضربات الجوية، وأن يقود الأسد الهجوم البري، ليبسط سيطرته ويوسع رقعة الأراضي الواقعة تحت سيطرته. ولو نجحت الخطة لوسع روسيا العودة من الحملة منتصرة إثر مساعدة حليفها، وتعزيز مكانتها في الساحة الدولية، وإجبار الآخرين على الاستماع الى رأيها. ولكن الإخفاق أدى الى استدعاء الكرملين الأسد إلى موسكو من أجل البحث في استراتيجية جديدة.
ولكن لا استراتيجية جديدة. فأي اقتراح جديد يقضي لا محالة بتخلي الرئيس السوري عن منصبه، وتنحيه. وهو غير مستعد لذلك. ومصالح الأسد واضحة. وهو يحتاج، على أقل تقدير، الى أسلحة جديدة، والى مزيد من الجنود. لكن ليس في امكان بوتين أن يرسل قوات برية. وعلى خلاف ما تقوله وسائل الإعلام، فالجيش الروسي لا يريد القتال في سورية. فهذا القتال سيودي بروسيا إلى أفغانستان جديدة، وهو ما لا يروق لإدارة الرئيس الروسي. وفي الإمكان إرسال المسلحين الروس من دونيتسك إلى سورية. وعلى رغم أن هذه الخطوة لن تحل المشكلة، تساعد في تخفيف توتر الجمهور القومي الذي يعتبر ان بوتين خائن وجبان بسبب تنازله عن الدونباس في أوكرانيا. ولكن لن يكتب النجاح للعملية العسكرية في سورية بمساعدة هؤلاء البلطجية والمرتزقة ولن يحلوا المعضلة البوتينية.
ويسعى بوتين الى حمل الأسد على قبول نوع مــن تسوية. وسلــم أولويات الرئيس الروسي يتغير. في المــاضي القريب، حاول الرئيس الروسي الخروج من الحرب الخاطفة منتصراً، واليوم، يسعى الى أداء دور صانع السلام. فالرئيس الروسي سيحمل الأسد على مفاوضة بعض المعارضة السورية. ولكن الأسد يستصعب التنازلات. ويترتب على الحكومة الإئتلافية في الأمد الطويل، خسارته كل سلطاته وهي صنو الإعدام. فيفقد السيطرة على الأجهزة الأمنية، ويصبح أسير الاجراءات الديموقراطية. وفي وقت يناصبه السوريون العداء والكراهية، يرجح أن يلقى، عاجلاً أم أجلاً، مصير القذافي.
ووصل الأسد الى موسكو وهو يتأمل في الحصول على دعم جديد. ولكن يبدو أن بوتين طلب منه إبداء قدر أكبر من المرونة (فيخرج الرئيس الروسي من الأزمة السورية بهيئة صانع السلام). ولكن هل نجحت روسيا في إقناع الزعيم السوري بتنازلات؟ الجواب طي الكتمان. ولم يعد في وسع الرئيس الروسي الحفاظ على صورته كزعيم قوي ومؤثر في السياسة العالمية. ويرى الرأي العام الروسي أن بوتين رجل قوي يخشاه أعداؤه. ولكن واقع الحال مختلف. فهو خسر في أوكرانيا خسارة كاملة. وهذا ما لا يخفى على الجنرالات الروس. ولم تكن أوكرانيا يوماً معادية لروسيا ومؤيدة للغرب، كما هي اليوم. واليوم، يثير القول إن الأوكرانيين والروس هما شعب واحد الضحك. لا بل أنّ أحداً لم يعزز الهوية الوطنية الأوكرانية مثلما فعل فلاديمير بوتين. وهو يستحق نصباً تذكارياً لشده لحمة الهوية الأوكرانية.
ما جرى الحديث عنه في لقاء الأسد بوتين مجهول. ولكن روسيا ستضطر الى مده بمزيد من المساعدات العسكرية. لكن بوتين لن يخاطر بحياة الجنود الروس، لأن التوابيت (عودة الجثامين) هي مصدر متاعب للحكم. ويرجح أنّ الرئيسين الروسي والسوري خلال اللقاء حاولا الاتفاق على موقف موحد. طبعاً لدى بوتين موارد أكثر من الأسد، والأخير سيكون مضطراً الى تنازلات. والحرب الخاطفة الروسية في سورية لم تعد خاطفة، ومع الأشهر سيظهر الاخفاق إلى العلن، ولن يخفى انصار بوتين، الذين توقعوا انتصاراً سريعاً. عليه، ليس أمام بوتين سوى البحث عن خيار آخر. والمخرج الديبلوماسي من الأزمة (الحل) عسير، بسبب انعدام الثقة بين الغرب من جهة والأسد وبوتين من جهة أخرى. بوتين يشعر بأن عليه التحرك سريعاً لأن المأزق الأوكراني بدأ بالتضييق عليه، ولكن ما العمل حين يُخفق في الأزمة السورية والى اين الهرب؟ عاجلاً أم آجلاً ستدرك غالبية الروس حقيقة الأمر، وحينها ينتهي عهد بوتين.
الحياة