كثر الجدل و اختلفت ردود الفعل حول إعادة انتشار بعض النقاط التركية التي كانت ضمن مناطق خفض التصعيد والتي سيطر عليها النظام, والسبب في هذا الجدل يعود إما لعدم فهم مهمة وطبيعة هذه النقاط, وإما الفهم المغلوط الذي كرّسه بعض ” الاستانيون و السوتشيون ” و إما إحكام العواطف محل العقل لدى البعض. أولاً – يجب علينا أن نعيَ أن التدخل العسكري التركي في سورية يحكمه ثلاثة ضوابط وهي “الحفاظ على الأمن القومي التركي واتفاقيات خفض التصعيد و سوتشي, ومسار جنيف للحلّ في سورية ” أما الحفاظ على الأمن القومي فهو حق لها بالاستناد إلى اتفاقية أضنة الموقعة بين رأس النظام السابق “حافظ أسد” والحكومة التركية, ثم جاءت اتفاقيات أستانة وسوتسي لتعدِّل من شروط الاتفاقية بما يتعلق بعمق التدخل, ليصبح بدلا من 5 الى 7 كم ليصل الى مناطق في ريف حماة أي حوالي 100 كم.
ثانياً: إن مهمة النقاط التركية لم تكن مهمة قتالية أبداً, وإن مهمتها منبثقة من خطة الأمم المتحدة التي حددت مسار العملية السلمية القائم على قاعدة “لا حل عسكري في سورية ” وتنفيذا لمقررات اتفاقيات الهدن باعتبارها مقدمة لوقف إطلاق النار, كمدخل للبدء في عملية المفاوضات على نقل السلطة إلى هيئة الحكم الانتقالي, هذه هي مرجعية التدخل التركي في سورية, ولا يمكن لها أن تتعداها لشنّ حرباً مباشرة مع النظام السوري, لكن ما حصل هو قيام بعض “الاستانيون والسوتشيون” السوريون بتصوير التدخل التركي على أنه انتصار لمسارهم وأن الجيش التركي هو من سيحرر البلاد من النظام, بهدف امتصاص النقمة الثورية على مخرجات “استانا وسوتسي” والحال الذي أوصلتنا إليه.
ثالثاً: القوى الأجنبية في سورية سواء التحالف الدولي أو تركيا أو غيرهما لا يستطيعون شنّ حرب مباشرة على النظام, بدون غطاء شرعي من مجلس الأمن, وهذا من المستحيلات؛ بسبب الفيتو الروسي الصيني, وبسبب عدم رغبة أي من دول العالم إسقاط النظام, باعتباره أحد الجبهات المشتركة في “الحرب على الإرهاب” ولن يسمحوا لأي دولة وخصوصاً تركيا العمل على إسقاطه, مما يعني عدم قدرتها على تحمّل نتائج قرار الحرب, فيما إذا قررت إعلانها, لأن حلف الناتو هو أول من سيتخلى عنها, وسيتركها تغرق في مستنقع الحرب السورية, وبالتالي انهيارها داخلياً, وهو ما يدفع إليه اليمين المتطرف في أوربا والولايات المتحدة حلفاء تركيا المفترضين.
لذا وبما أن الصراع في سورية منذ عام 2013 حتى اليوم هو صراع دولي, الثورة أصبحت على هامش هذا الصراع, بسبب تغوّل الدول في النزاع وكثرة الأدوات وازدحام المصالح والايديولوجيات, والذي تحكمه التقاطعات والتوافقات والاختلافات بين هذه الدول, وهذا ما يوجب علينا البناء عليه في تفسير وفهم التحركات الدولية السياسية والعسكرية والاقتصادية, وخاصة انتشار القوى العسكرية أو إعادة انتشارها أو توزيع مناطق النفوذ وضبط التحركات عبر قنوات التنسيق العسكرية والاستخباراتية والسياسية التي تهدف كلها إلى منع الحرب مع النظام السوري وضبط الوضع والحيلولة دون انفجاره بما يعيد الفوضى التي يخافها الجميع.
المحامي عبد الناصر حوشان