الرئيس التركي اردوغان بوصفه رجل دولة:
يتميز بالحكمة والدهاء السياسي، ويغلب على سياساته في بعض الاحيان طابع البراغماتية، والذي يتضح من قدرته الفائقة والمتميزة على الجمع بين عدة امور قد تبدو احيانا معقدة واحيانا متشابكة ومتداخلة وفي كثير من الاحيان تبدو امورا متناقضة…
وقد عبر سيادته عن ذلك بقوله:
((إن تركيا قد فهمت كيف تكون ديمقراطية فاعلة في الشرق الأوسط…
كيف تجعل من الإسلام السياسي معتدلا وتمكنه من أن يكون حزبا تنظيميا…
كما فهمت كيف تمارس النشاط الاقتصادي في القرن الواحد والعشرين…
وكيف تجمع بين الإسلام والعلمانية والعلم والفردية والجماعات ذات المصالح المشتركة كلها في المجتمع نفسه في الشرق الأوسط…
الأمر الذي جعل السيد أردوغان يفهم ويدرس البيئة الواقعية وليس الافتراضية لتركيا من حيث الآتي:
موقعها الجيو استراتيجي
قيمتها العسكرية والاقتصادية كقوة نافذة في الشرق الاوسط والبلقان
ومن خلال هذين العاملين يمكننا التنبؤء بالاتجاهات العامة للسياسة الخارجية التركية ازاء مستجدات الحرب في سوريا وسقوط الموصل عام 2014 بيد تنظيم داعش وتحريرها لاحقا في منتصف عام 2017، وتعقيدات تحرير تلعفر بسبب موقعها الاستراتيجي وتنوعها الديموغرافي وتداعيات تواجد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب على الجانب الشمالي من جبل سنجار وظهور مجاميع مسلحة سؤاء كانت عربية او كردية على الحدود التركية السورية والعراقية التركية وتهديدها للامن القومي التركي وتعقيدات الصراع بدخول أطراف خارجية على خط الأزمة بعضها إقليمية منها (إسرائيل والأردن وإيران ودول الخليج العربي) ودولية أبرزها (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا) على دائرة محاربة تنظيم داعش والجماعات الإرهابية الاخرى في سوريا والعراق…
وبقدر تعلق الأمر بتركيا:
فانها وبوجود هذه الأطراف الاقليمية والدولية المختلفة والمتناقضة أمام خارطة طريق تضم خطوط وإحداثيات ورسوم بيانية متداخلة ومتناقضة.
ولكن مع وجود هذه الإحداثيات المعقدة، فان الرئيس التركي أردوغان بوصفه رجل دولة وبسياسته البراغماتية وبقدرته الفائقة على التعامل مع الامور المتناقضة استطاع بذكائه وحكمته ودهائه السياسي، أن يرسم خارطة طريق لتركيا تستند على عدة ركائز أبرزها الآتي:
أولا: استراتيجية عسكرية تمثلت بعملية درع الفرات والتلويح بعملية سيف الفرات إذا تهددت مصلحة تركيا وأمنها القومي في كل من الإدارة الذاتية الكردية السورية وإقليم شمال العراق، وإلى أبعد من ذلك فإن تركيا ستكون حاضرة ومؤثرة وفاعلة في معركة تحرير تلعفرالمقبلة…
وأن تحدد (أي تركيا) لوحدها أو بالتنسيق مع إقليم شمال العراق أو مع التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.
حدود هذه العمليات العسكرية ونطاقها وتوقيتها وحجمها؟
لأن هذه المعركة المرتقبة ونتائجها ستؤثر على الأمن القومي التركي.
ثانيا: استراتيجية القوة الناعمة…
لأن السيد أردوغان يرى أن القوة الناعمة المتزايدة أصبحت من أهم السمات التي تميز تركيا والتي سنستمر في استغلالها لتعزيز السلام الإقليمي والعالمي…
والأهم في هاتين الاستراتيجتين:
أن السيد أردوغان لم يركز على مضمون الأهداف والتي ربما تتحقق في المدى المنظور أو المتوسط، ولكنه ركز على استراتيجية اختيار الأهداف ومدى استعداد تركيا سواء باستخدام القوة العسكرية أو القوة الناعمة في تحقيقها؟
أو تعديلها؟ دون التخلي عنها؟
والسبب أن الأهداف المختارة تكتيكيا أو استراتيجيا وطبقا للبيئة الواقعية التي يتحرك بها القائد السياسي ينبغي أن تكون أهدافا ممكن تحقيقها؟
واستنادا لهذه المقدمات نستطيع أن نفهم أن تركيا أدركت أن كل الأطراف المتصارعة الإقليمية والدولية والمليشيات المسلحة الكردية في إقليم شمال العراق وسوريا تحمل تناقضات صراع معقد في منطقة الشرق الأوسط وفي إقليم شمال العراق وسوريا وكما يلي:
أولا: تأكيد كل الأطراف المتصارعة على أهمية العامل العسكري لحسم الصراع الدائر بينهما… لذلك ترى زيادة حدة الاقتتال بدل من تخفيفه.
تركيا ودول الخليج وإقليم شمال العراق ضد نظام بشار الأسد وتركيا والإدارة الذاتية الكردية السورية ضد حزب العمال الكردستاني وحزب الاتحاد الوطني وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب الكردية في الإدارة الذاتية الكردية السورية.
روسيا وإيران وحزب الله والفصائل الإسلامية الشيعية الافغانية والباكستانية والعراقية وغيرها تدافع عن نظام بشار الأسد..
أمريكا تدعم حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب ببرنامج سري بالسلاح والمال والدعم الجوي واللوجستي لمحاربة نظام بشار الأسد في الإدارة الذاتية الكردية السورية.
تنافس بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية على مناطق النفوذ في منطقة الشرق الأوسط والبلقان وفي إقليم شمال العرق وسوريا…
إسرائيل تراقب ما يجري بدقة في شمال العراق وسوريا واحيانا تقوم بضربات جوية على نظام بشار الاسد واحيانا على مواقع لحزب الله اللبناني في سوريا وترصد حركة نقل الأسلحة والمعدات على الحدود اللبنانية السورية وأحيانا الحدود العراقية السورية والإيرانية العراقية بأقمارها الصناعية او بالتنسيق مع الأمريكان وأحيانا مع الروس من خلال تبادل المعلومات الاستخبارية وتنسيق المواقف سؤاء بشكل معلن أو سري…
ثانيا: أن حزب العمال الكردستاني هو محور حركة الفصائل المسلحة الكردية في شمال العراق وسوريا وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب في الإدارة الذاتية الكردية السورية.
وقد يدفع استمرار التوتر بين حزب العمال الكردستاني والقوات التركية على جانبي الحدود التركية السورية وعلى الحدود العراقية التركية وخاصة وجود قوات حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في سنجار بتركيا إلى حرب مفتوحة مع حزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب في الإدارة الذاتية الكردية السورية وإقليم شمال العراق.
وإذا كانت تركيا تدرك أن الولايات المتحدة الأمريكية بتوفير الدعم المالي والتسلحي واللوجستي والإسناد الجو ي لحزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب.
وإنه من غير المستعبد على المدى المنظور أن تتخلى أمريكا بعد استكمال تطهير داعش من الرقة عن هذا الحزب لحاجتها إليه في الإدارة الذاتية الكردية السورية.
وإذا كانت تركيا تدرك أيضا بأنها مقبلة على مواجهة عسكرية مباشرة أو غير مباشرة مع وحدات حماية الشعب في منبج أو الرقة أو محيطها أو في حالة إذا ما أصرت وحدات حماية الشعب على البقاء في الرقة والطبقة ومنبج وعدم الانسحاب منها؟
فلماذا لا تفكر تركيا باللجوء إلى استراتيجية القوة الناعمة بدلا من القوة العسكرية في التعامل مع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب؟
وهذا يدفعنا لطرح السؤال المحوري الآتي:
هل يلعب العامل النفطي والاقتصادي دوره في فرض تقارب بين حزب الاتحاد الديمقراطي وتركيا بعيدا عن التناحر القومي؟
خاصة وأن نفط حزب الاتحاد الديمقراطي بين خيارين:
إما ميناء طرطوس أو يصب في الأنبوب الكردستاني الجديد عبر تركيا؟
إن الإجابة عن هذا السؤال ربما ستدخل من باب التنبؤء السياسي وهو عملية صعبة ومعقدة ولكننا سنقدم مقدمات ربما تساعدنا في تحديد الدقة المحتملة لإمكانية توظيف العامل النفطي والاقتصادي بين حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب وتركيا.
ومن أبرز هذه المقدمات الآتي:
أولا: أن وجود منطقة كردية تتمتع بنوع من الادارة ايا كانت تسميتها وتخضع لسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية في الإدارة الذاتية الكردية السورية بات أمرًا واقعًا سؤاء لتركيا أو للولايات المتحدة الامريكية التي تدعم ماليا ولوجستيا وتسليحيا وجويا جناحه العسكري وحدات حماية الشعب.
ثانيا: قدرة حزب الاتحاد الديمقراطي على توسيع رقعة نفوذه في الإدارة الذاتية الكردية السورية من عام 2015 إذ واصل «حزب الاتحاد الديمقراطي» توسيع أراضيه منذ الانتصار الذي حقّقه في كوباني (أو عين العرب) مناطق عفرين وكوباني والقامشلي الكردية وتل أبيض ومنبج.
وجاء معظم هذا التوسّع على حساب تنظيم داعش، ولكن الأكراد استولوا أيضاً على مناطق تابعة لفصائل مسلحة عربية أو كردية في ممر أعزاز وللجيش السوري في الحسكة.
وتتمتّع هذه المناطق بأهمية استراتيجية ويسيطر اليوم «حزب الاتحاد الديمقراطي» على أرض يعيش فيها حوالى مليوني نسمة، ولكن نسبة الأكراد منهم ضئيلة، وكلما وسّع «حزب الاتحاد الديمقراطي» أراضيه، كلما تعيّن عليه إدماج السكان غير الأكراد.
وينطبق ذلك في منطقة منبج بشكل خاص، بين نهر الفرات وعفرين، حيث يشكّل الأكراد أقل من ربع السكان.
ولكن، يبدو أن «حزب الاتحاد الديمقراطي» متمسّك بهدفه المتمثل بربط المقاطعات، ويرى قادة الحزب أنه يمكن لمختلف الجهود المبذولة لفرض الطابع الكردي عليها أن تساعد على ضم شريحة كبيرة من السكان تحت رايتهم.
ثالثا: تأكيد القادة العسكرين من وحدات حماية الشعب لزعيم حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم على الأهمية الجيوستراتيجية لمنطقة الشدادي في محافظة الحسكة الجنوبية غير الكردية لأمرين هما:
1- السيطرة على آبار النفط القريبة.
2- قطع الطريق بين الموصل والرقّة على تنظيم «داعش».
رابعا: تخصيص نفط الإدارة الذاتية الكردية السورية فقط للاستهلاك المحلي لحزب الاتحاد الدبمقراطي واستحالة الاستفادة من عوائده المالية بحكم عدم وجود منافذ لتصديره إلا إذا توفرت شروط سياسية تركية وسوريا؟
وهذه المعضلة ربما تشكل نقطة التقاء وتوظيف للعامل النفطي والاقتصادي بين حزب الاتحاد الديمقراطي وتركيا وإقليم شمال العراق، وفي السابق تستفيد الإدارة الذاتية الكردية السورية من وجود آبار نفط في الجزيرة؛ فقبل الحرب السورية كانت حقول النفط في المالكية والشدادي تنتج حوالي ثلث كمية النفط الخام التي تنتجها البلاد ومقدارها 380 ألف برميل/يوم.
ومنذ ذلك الحين، تراجعت هذه الكمية بسبب غياب الصيانة وإغلاق بعض الأنابيب. ومع ذلك، أصبح النفط مصدراً رئيسياً للدخل لإدارة الإدارة الذاتية الكردية السورية، ويمنحها إمكانية الاستقلالية من ناحية الطاقة في المستقبل.
وتستطيع الإدارة الذاتية الكردية السورية وتحديدا حزب الاتحاد الديمقراطي تصدير معظم إنتاجها إذا وجدت الحل الملائم لنقله عبر المنافذ الآتية:
1ـ التصدير المباشر عبر تركيا.
وهذا الأمر يتطلب دخول مفاوضات مباشرة مع تركيا عبر وسيط دولي مقبول للطرفين ويتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية قد أدركت بعد نجاح حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب في طرد تنظيم داعش في العديد من المناطق الاستراتيجية في شمال سوريا أهمية هذا الحزب وقيمته العسكرية.
وبالتالي لن تتخلى عنه وسوف تستمر بدعمه ماليا وعسكريا على المدى المنظور القريب. ووساطة الأمريكان لن تكون مهمة مستحيلة بل إنها ربما تكون مهمة صعبة قابلة للتنفيذ ولكنها تحتاج إلى مقومات نجاح تتمثل بعاملين:
أولا: الدقة في توقيت وقت التفاوض مع تركيا.
ثانيا: قدرة أمريكا على على إزالة المخاوف الامنية التركية من استمرارية دعمها لوحدات حماية الشعب القريبة من حزب العمل الكردستاني.
2- ميناء طرطوس.
وإذا أُعيد فتح خط الأنابيب الرئيسي إلى المحطة الساحلية السورية، بانياس، قد تتمكّن الإدارة الذاتية الكردية السورية من بيع النفط للحكومة السورية في النهاية، لكنّ دمشق ستعارض بالتأكيد دفع الثمن كاملاً مقابل “نفطها الخاص”.
3/ البديل الاستراتيجي الأمثل لنقل نفط حزب الاتحاد الديمقراطي سيكون عبرخط الأنبوب الكردستاني الجديد في إقليم شمال العراق.
ويمكن لأكراد سوريا استخدام خط الأنابيب الكردي العراقي إلى تركيا، على الرغم من أن ذلك سيتطلّب التوصّل إلى اتفاق مع «حكومة إقليم كردستان».
وتجمع علاقات معقدة ومتناقضة ومتضاربة بين «الحزب الديمقراطي الكردستاني» الذي يتولّى الحكم حالياً في الإقليم و«حزب الاتحاد الديمقراطي» بسبب توترات قائمة منذ عقود مع «حزب العمال الكردستاني»؛ فالجماعتان العراقية والتركية تتبعان أيديولوجيات مختلفة تماماً ويترأسهما قادة مختلفون في النسق العقيدي.
4- مقدمات وبوادر حسن نية بين إقليم شمال العراق والإدارة الذاتية الكردية السورية من خلال فتح معابر حدود أو ممبرات برية للتجارة كانت مغلقة بسبب العداء بين اكراد الإدارة الذاتية الكردية السورية وإقليم شمال العراق.
وهذه سوف تساعد في امرين:
الأول: تنظيم التجارة بين أكراد سوريا و«حكومة إقليم كردستان». ويمكن لهذه الخطوات أن تزول العقبات التي سببت مشاكل للإدارة الذاتية الكردية السورية على المدى الطويل لأن «حكومة إقليم كردستان» هي الصلة البرية الوحيدة التي تربطهم بالعالم الخارجي، بالإضافة إلى الحدود التركية (المغلقة) ووادي الفرات (الذي يسيطر عليه تنظيم «داعش»).
الثاني: هناك عاملان إقليميان فعالان قد يعززان هذا التحول:
الأول: هو تحقيق التقارب بين “حكومة إقليم كردستان” وأنقرة وحزب الاتحاد الديمقراطي بمبادرة من الامريكان او من الاكراد في إقليم شمال العراق سيكون كوسيلة تركية لموازنة النفوذ الإيراني في العراق وسوريا.
ومن أجل تنفيذ هذه الاستراتيجية التدريجية والناجحة في الوقت نفسه، فقد تقدم “حكومة إقليم كردستان” إغراءات عديدة لتركيا مثل منح رخص وتطوير حقول نفط حزب الاتحاد الديمقراطي اذ افترضنا ومن باب التنبؤء السياسي بنجاح التقارب التركي مع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب بواسطة امريكية او كردستانية عراقية.
ومن جانبها ربما تعمل واشنطن جاهدة على تعزيز هذا التقارب بعد انتهاء ملف داعش او تغيير النظام السوري، خوفاً من اندلاع صراع مسلح بين تركيا وحزب الاتحاد الديمقراطي…
الثاني: المخاوف التركية من تشكيل محور شيعي على حدودها.
تأتي أنقرة في طليعة المعارضة الإقليمية لنظام الأسد في سوريا، كما أنها تمتعض الدعم الإيراني لدمشق وتشجبه بقوة. وتبدو تركيا على اقتناع تام بأن طهران لها تأثير ونفوذ على بغداد. لذا فإنها أصبحت تؤمن بأن محورًا “شيعيًا” بقيادة إيران آخذ في التشكل على حدودها الجنوبية ويمتد من العراق إلى سوريا.
وقد أدت وجهة النظر هذه إلى قيام أنقرة بالبحث عن حلفاء لمواجهة هذا المحور، بما في ذلك “حكومة إقليم كردستان” وسكان العراق من العرب السنة. وترى أنقرة أن نظامي الأسد وطهران هما اللذان يقفان وراء حزب العمال الكردستاني ويدعماه.
فعلى سبيل المثال، اتهم نائب رئيس الوزراء التركي بولنت أرينج، إيران بدعم “حزب العمال الكردستاني” في التفجير الذي وقع في “غازي عنتاب” في آب/أغسطس 2012، وقد تسربت تقارير عن حدوث اتصالات إيرانية مع نشطاء من “حزب العمال الكردستاني”.
ومن شأن هذه الفاعلية المستمرة تسريع التقارب وتجديد العلاقات بين تركيا و”حكومة إقليم شمال العراق”، وعلى وجه الخصوص ربما ان نجح إقليم شمال العراق في اقناع حزب الاتحاد بنقل نفطه عبر انبوب إقليم شمال العراق، فإن ذلك ربما يسهم بتحجيم او تجميد مؤقت بين حزب الاتحاد الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني.
ومن يدري ربما يسهم العامل النفطي والاقتصادي في ان يكون مقدمة او بادرة حسن نية من حزب الاتحاد الديمقراطي بواسطة امريكية تجديد المفاوضات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، ونحن نتحدث بلغة تنبؤء سياسي ربما لا يحدث؟
5- توظيف عامل التنمية الاقتصادية كمدخل للتقارب التركي مع حزب الاتحاد الديمقراطي؟
وممر «حزب العمال الكردستاني» إلى البحر المتوسط؟
لأن حالة النفط تسلط الضوء على العائق الرئيسي أمام استدامة الإدارة الذاتية الكردية السورية، ألا وهو عزلتها.
فالمجتمع الكردي سهل التكيّف ويتقبّل ظروف العيش المتقشّفة، لكنّ العديد من الناس يغادرون المناطق التي يسيطر عليها «حزب الاتحاد الديمقراطي» بسبب ندرة العمل ونقص الخدمات الطبية والمرافق الخدمية الضرورية وانعدام البنى التحية بشكل تام؟
ومن أجل وضع حدّ للنزوح الهائل للسكان، سيحتاج «حزب الاتحاد الديمقراطي» إلى تنمية الاقتصاد، الأمر الذي يتطلب تأمين حرية حركة السلع من البلدان الأخرى وإليها؟
ومن التفاؤل السياسي فإنني أتوقع الآتي:
أولا: إن الواقع الجيو استراتيجي لمتغيرات الحرب في إقليم شمال العراق وسوريا ربما تقود الى تحسن العلاقات بين تركيا وحزب الاتحاد على المدى المنظور. ويعود ذلك إلى ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية على كل الطرفين.
وإن بديل تسليح الامريكان لوحدات حماية الشعب الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي سيكون ثلاثيا روسيا وإيرانيا وسوريا وهو يضر بالمصالح المشتركة الأمريكية والتركية معا في منطقة الشرق الأوسط والبلقان وفي إقليم شمال العراق وسوريا.
ثانيا: أن الجدول الزمني للقضاء على تنظيم «داعش » وتأمين واستقرار الفرات بات امرا مؤكدا بعد خسارة تنظيم داعش لقواعده في الموصل والرقة واصبح مطاردا في إقليم شمال العراق وسوريا؟
ثالثا: تعتبر الولايات المتحدة أن «وحدات حماية الشعب» هي حليف تكتيكي في وجه تنظيم «داعش»، إلا أن الأكراد يتمتعون أيضاً بعلاقات جيدة مع روسيا التي نشرت جنودها في منطقة عفرين الواقعة في أقصى الغرب من “روج آفا”.
وبينما يقتصر التعاون بين واشنطن و«وحدات حماية الشعب» على أماكن تواجد تنظيم «داعش»، تبدو موسكو مهتمة بالدرجة الكبرى بوقوع “روج آفا” على مقربة من تركيا، مما يشير إلى نظرة روسية أكثر استراتيجيةً تجاه الأكراد باعتبارهم بطاقة مفيدة لروسيا ضد تركيا.
هذا هو السيناريو الأجدر بالاعتبار لـ “روج آفا”، وهو يرسم وضعاً مشابهاً لوضعها الحالي.
فترانسنيستريا المنشقّة عن مولدوفا هي منطقة لم تعترف بها أي دولة أجنبية ولكنها تتمتع بحماية قوية من موسكو، تشمل وجود القوات الروسية التي تمنح الكرملين نفوذاً على السياسة المولدوفية.
ولكن هل سنشهد على المدى القريب أن يقوم حزب الاتحاد الديمقراطي باستثمار علاقاته الدولية المزدوجة مع كل من الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية ومطالبة هاتين الدولتين باعتراف دولي باستقلالية “روج آفا”؟
وبما أن وفود «حزب الاتحاد الديمقراطي» كانت تقوم بزيارات منتظمة إلى أنقرة. منذ عام 2015. ولذلك فإن استئناف هذه المحادثات وطرح فكرة نقل نفط حزب الاتحاد الديمقراطي عبر أنبوب إقليم شمال العراق.
والتلويح باستعداد الشركات النفطية التركية لدخول مجال الاستثمار وتطوير حقول نفط حزب الاتحاد الديمقراطي ربما ستسهم او تعيد تطبيع العلاقات بين تركيا وأكراد سوريا بشكلٍ تلقائي، لتأتي فرص الاستثمار التي توفرها “روج آفا” للشركات التركية لتزيد من حسنات هذه الصفقة.
وفي غضون ذلك، من شأن مرحلة ما بعد تحرير الرقة بقيادة «وحدات حماية الشعب» أن يزيد من عزم «حزب العمال الكردستاني» على مواصلة القتال في تركيا؟ وربما لا؟
وختاما…
إن أفعال حزب العمال الكردستاني في تركيا ستؤثر في الكيفية التي ترى بها الولايات المتحدة الأمريكية علاقاتها مع حزب الاتحاد الديمقراطي وجناحه العسكري وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، وإن استمرار الدعم الامريكي لوحدات حماية الشعب ربما يحد من افعال حزب العمال الكردستاني في تركيا في المدى المنظور القريب؟
د. محمد عزيز عبد الحسن – ترك برس