بعد الجرائم الوحشية المروعة من جرائم إبادة جماعية، إلى جرائم ضد الإنسانية، إلى جرائم مورست بحق المدنيين والأسرى في زمن الحرب لم يعد أمام العالم اليوم سوى الاحتكام إلى قيم وقوانين دولية مُتفقٌ عليها تحكم الجميع ويحتكم إليها الجميع ضمانًا لصيرورة السلم والأمن الدوليين ووفق تلك القيم والقوانين المُجْمَع عليها دوليًّا بات الإعلان العالمي لحقوق الإنسان هو الأساس الارتكازي للقانون الدولي لحقوق الإنسان، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبناه إجماع عالمي عام 1948، وأصبح ذلك مصدرًا هامًّا لتشريع الكثير من المعاهدات والقوانين الإنسانية الدولية الملزمة من الناحية القانونية، وأساسًا لمعالجة العديد من القضايا والأزمات وفضّ النزاعات، والحد من الصراعات والممارسات القمعية، وترعى المؤسسات الدولية نظامًا عالميًّا يعمل على تحقيق الحد الأعلى من الالتزام بقيم حقوق الإنسان، والاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، انطلاقا من أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تشريع صادر عن قمة النظام الدولي الذي يضم أغلب دول العالم مذيلًا بتوقيع قادة الدول إعلانًا بالموافقة عليه والإذعان لبنوده وفقراته والعمل على سَن وتشريع قوانين داخلية تتلائم معه استنادًا لما أكدت عليه الدول الأعضاء في الأمم المتحدة من توافق وانسجام يتعلق بحقوق الإنسان الأساسية وصيانة كرامته والتعهد بنبذ العنصرية بشكل عام والتمييز بين الإنسان على أساس اللون والجنس والعرق والمكان والفكر والمعتقد وغير ذلك من الفوارق.
ما تشهده الساحة الايرانية من ارتكاب لأبشع صور القمع يرتكبها نظام الملالي وأدواته واستخدام القوة الغاشمة ضد شعبه الأعزل بالوسائل العُنفية التي تملكها المؤسسة العسكرية ودوائر الاستخبارات وميليشيا الحرس الثوري وقوات البسيج وما تقوم به من قتل وإعدامات ميدانية خارج نطاق القانون، بالإضافة إلى حالات التغييب القسري لشباب الانتفاضة الشعبية لكتم الأصوات وتكميم الأفواه المطالبة بالحرية والعدل والكرامة ودفع الظلم الذي ساد البلاد وقَهَر العباد طيلة 44 سنة من حكم نظام الملالي.
وبما أن النظام الإيراني ينتمي إلى المنظومة الدولية موافقًا على ما أقرته فإنه مُلزمٌ حسب شرائعها بالوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، وحيث أن نظام الملالي قد ضرب تلك القوانين بالصميم بانتهاكه حقوق الأفراد بالعيش بحرية وكرامة مما يدعو إلى نقل المسؤولية للمنظمة الدولية ومحاسبة النظام الايراني أمام المحاكم الجنائية الدولية أو محكمة العدل الدولية على ارتكابه للجرائم المنصوص عليها بالقانون الدولي بحق المدنيين من الشعب الإيراني، ولمخالفته نص المادة الثانية من الإعلان والتي تنص على:
أن لكلِّ إنسان الحقُّ في التمتُّع بجميع الحقوق والحرِّيات المذكورة في هذا الإعلان، دونما تمييز من أيِّ نوع، ولا سيما التمييز بسبب العنصر، أو اللون، أو الجنس، أو اللغة، أو الدِّين، أو الرأي سياسيًّا وغير سياسي، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الثروة، أو المولد، أو أيِّ وضع آخر. وفضلاً عن ذلك لا يجوز التمييزُ علي أساس الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو الإقليم الذي ينتمي إليه الشخص، سواء أكان مستقلًّا أو موضوعًا تحت الوصاية…
ونصت المادة الخامسة منه أيضًا على أنه لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المخلة بالكرامة، ومن المستغرب أيضًا دخول السلطة القضائية في ايران على خط الانتهاكات ومسايرة حكم الملالي بالتمادي بسياساته القمعية عبر محاكمات صورية وإصدار الأحكام الجائرة التي وصلت إلى حد الإعدام ، في مخالفة صريحة للمادة 11 من الاعلان العالمي التي نصت على أنه :
1. كلُّ شخص متَّهم بجريمة يُعتبَر بريئًا منها إلى أن يثبت ارتكابُه لها قانونًا في محاكمة علنية تكون قد وُفِّرت له فيها جميعُ الضمانات اللازمة للدفاع عن نفسه.
2.لا يُدان أيُّ شخص بجريمة بسبب أيِّ عمل أو امتناع عن عمل لم يكن في حينه يشكِّل جُرمًا بمقتضى القانون الوطني أو الدولي، كما لا تُوقَع عليه أيَّةُ عقوبة أشدَّ من تلك التي كانت ساريةً في الوقت الذي ارتُكب فيه الفعل الجُرمي.
واستنادًا لتلك الممارسات التعسفية وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها نظام الملالي وقد اعترف بالكثير منها وثبتت عليه في مواضع كثيرة وأمام مرأى ومسمع العالم كله، وبات من الضروري محاسبته على تلك الجرائم والانتهاكات التي انتهكها استنادًا للقانون الدولي وإعلان حقوق الإنسان وملاحقة المسؤولين عن تلك الجرائم وتقديمهم للعدالة وإصدار مذكرات قبض جنائية ذات طابع دولي بحقهم تنفذها الشرطة الجنائية الدولية.
إلا أن التخاذل أمام جرائم نظام الملالي وانتهاكاته الصارخة باتت اليوم عاملًا مشجعًا له ومخلًّا في الوقت ذاته بالشرعية الدولية.
عبدالرزاق الزرزور / ناشط حقوقي