مضى عام على وصول “عمر” إلى تركيا قضى فيها ذلك الشاب حياة صعبة، فقرر العبور إلى أوربا لعله يلقى الاهتمام والدعم مع عائلته التي أمضت الشهور الطوال في جمع مبالغ من المال تجهيزا لسفره، وفي تلك الأثناء كثر سماعه عن إيجابيات تلك البلاد التي تشهد حياة متطورة (سكن مؤمن، رواتب شهرية مغرية، مكان آمن لبدء حياة جديدة يحلم فيها كل شاب).
حزم أمره مع عائلته الصغيرة ووالده الذي كان يرفض فكرة الهجرة متمسكاً بوطنه رغم جراحه بعد أن فقده كل ما يملك وخوفه على من بقي من عائلته بعد فقدانه لأبوين هرمين تحت أنقاض منزلهما القديم الذي لم يصمد مع أول قذيفة عمياء تصيب الحي
يقول عمر “مع حزمنا لأمتعتنا وتحديد وجهتنا “ألمانيا”، رسمت أول ملامح القلق والخوف على وجه أبي المسكين، مررنا بمعظم ما مر به العابرون إلى أوربا من صعوبة العبور والصعوبات التي تفرضها الدول على حدودها خوفاً من زيادة تدفق اللاجئين، كنا نلاحظ في الطريق بيئة مختلفة تماماً بعاداتها وتقاليدها ولغتها عما كنا نعرفه”.
وصل عمر مع عائلته بعد 25 يوماً إلى ألمانيا، سلموا أنفسهم أصولاً إلى الشرطة بصفة اللجوء، مع أقرب “كامب” بدأت الحياة في ألمانيا وبالطبع مع بيئة مختلفة ل “عمر” الذي كان يعيش في ريف إدلب ومع بيئة ألمانيا اختلاف جذري في اللباس والطعام والعادات اليومية وحتى المناخ الذي بدت درجاته منخفضة واضحاً أمام ريف مدينته التي تعلو فيه أشعة الشمس البراقة والتي تحول خدود أخوته الصغار للون البني كما أخبرنا.
لم يعد عمر يشمّ رائحة الخبز الشهي التي تعده أمه من الصباح الباكر، كما وصف وجباتهم أنها للتسلية وليست طعاماً واختلفت الفواكه وكثير من الأطعمة
أما العادات فقد لاقت رفضاً من قبل أبي عمر الذي تحدثنا معه وهو يدمدم ما في متل أرضك قائلاَ “نحن بصراحة من بيئة محافظة لا أستطيع تقبل بناتي من دون حجاب أو تعلمهم لعادات الغرب واختلاطهم بالمدارس ذكوراً وإناثاً.. آه مضت شهور ولم أسمع صوت مؤذن للصلاة.. لم أستطع نطق كلمة واحدة من لغتهم التي لا تمت لنا بصلة، عداك عن قضايا أخرى لم أوافق عليها فقررت العودة إلى سوريا فهي جميلة رغم حربها”.
في رحلة العودة لم يكن عمر وعائلته الوحيدين ممن لم تنل حياة أوربا رضاهم رغم زيف حضارتها اللامع، فهناك الكثير عادوا إلى تركيا ولبنان مفضلين العيش فيها والبعض الآخر أمثال عائلة عمر فضلوا الموت تحت الأنقاض بحياة كريمة على حياة يعلو فيها الذل والعنصرية.
“لا جنة مطلقاً خارج أرضنا” يدمم أبو عمر بصوت ساخر وهو يقول “معظم من يسافر خارج البلاد يفكر بالأمن والاستقرار، والحقيقة أن تراب الوطن وإن بات فوق أجسادنا فهو أحن وألطف من زيف استقرار خارج الوطن”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد