رفض المحتجون الشباب الذين تعرضوا وما زالوا يتعرضون للقتل في العراق، توجيه نداءات استغاثة إلى الولايات المتحدة. حدث هذا بالرغم من أن أولئك الشباب يدركون جيدا أن الأوضاع في بلدهم ما كانت لتذهب إلى هذا المنعطف السيّئ لولا ما فعلته الولايات المتحدة منذ غزوها العراق عام 2003 وحتى اليوم.
فعلوا ذلك لا لأنهم يعرفون أن الولايات المتحدة قد تخلت عنهم منذ زمن طويل فحسب، بل وأيضا لأنهم أرادوا للتحول الذي ينشدون تحقيقه أن يكون عراقيا خالصا وأن يكون بداية لاستقلال العراق ونأيه عن صراع غامض الأهداف بين إيران والولايات المتحدة.
ولكن لمَ خصّ المحتجون بشعاراتهم المعادية إيران ولم يتعرضوا للولايات المتحدة بشيء؟
الحرية الأميركية المزعومة قد صارت جزءا من ماض سحيق، يُخيل إلى الساسة الأميركان أن أحدا لا يتذكره
لم يقع ذلك إلا لأن أولئك الشباب قد لمسوا جيدا حقيقة ولاء النظام الحاكم في العراق لإيران وتبعيته المطلقة للولي الفقيه فيها وخضوعه لإرادة الحرس الثوري الإيراني.
أما الولايات المتحدة وهي المسؤولة عن تحطيم الدولة العراقية وإزالة الجيش الوطني فيها واختراع نظام المحاصصة الطائفية والإشراف على حفلة القتل التي شهدها العراق بعد أن سمحت للميليشيات الدينية المتطرفة بالدخول إلى الأراضي العراقية من إيران وسوريا فإن الكلام معها سيكون في وقت لاحق، ذلك لأنه سيتخذ طابعا قانونيا.
التخلص من الهيمنة الإيرانية من خلال إسقاط النظام الحالي هو مفتاح الحل من أجل أن يخرج العراق من الثقب الأسود الذي وقع فيه بعد أن تأكد الشباب من أن ذلك النظام يعتبر عودة العراق إلى مساره بلدا طبيعيا هو بمثابة حل سحري لن يقوى على القيام به.
النظام الطائفي في العراق الذي استدرج الأوضاع إلى نقطة اللاعودة بعد أن أعلن عن ولائه المطلق للمصالح الإيرانية على حساب مصلحة الشعب العراقي، لا يمكن أن يكون موضع ثقة، لذلك فإن الأمل في قيامه بإصلاح نفسه هو كذبة يُراد من خلالها تنويم الشعب وإلهاؤه بما لا ينفع والإبقاء على الأوضاع كما هي من أجل إحكام السيطرة الإيرانية على العراق.
وإذا ما كانت الولايات المتحدة قد خانت وعود الحرية التي قدمتها للشعب العراقي يوم احتلت بلاده فإنها لا تزال مدانة بجرائم ضد الإنسانية ارتكبتها في العراق لا يمكن أن تسقط بمرور الزمن. تلك جرائم ينبغي على الولايات المتحدة أن تسرع لدفع ثمنها. وهو ثمن لن يكون بالغ التكلفة مقابل ما خسره العراق والعراقيون بسبب الغزو الوحشي وما ترتب عليه من خسائر بشرية ومادية توجت بإلحاق العراق بولاية الفقيه الإيرانية.
لم ينتظر العراقيون عونا أميركيا يشد من أزرهم في مواجهة آلة العنف المحلية المدعومة إيرانيا، غير أنهم توقعوا أن تستدرك الولايات المتحدة أخطاءها وتسعى إلى تصحيحها بعد أن صار العراقيون على بيّنة منها وأن لا تستمر في لعبتها العبثية مع إيران. تلك اللعبة التي افتضح أمرها بعد أن أظهرت الإدارة الأميركية ميلها إلى أن لا تلحق العقوبات ضررا ببنية النظام الإيراني وقدرته على الحركة داخل إيران.
الشباب لمسوا جيدا حقيقة ولاء النظام الحاكم في العراق لإيران وتبعيته المطلقة للولي الفقيه فيها وخضوعه لإرادة الحرس الثوري الإيراني
كان من الواجب على الولايات المتحدة أن تنظر بعين التقدير إلى شعارات الحرية التي رفعها شباب عراقيون عزل من السلاح لا يملكون سوى أصواتهم رغبة منهم في استعادة وطنهم وإنقاذه من براثن الوحش الإيراني التي سحقت أجزاء عزيزة منه.
حتى هذه اللحظة وبالرغم من كل هذا القتل الذي تشهده شوارع وساحات المدن العراقية، لا تزال الولايات المتحدة غير راغبة في إعادة النظر في موقفها غير الإنساني من الشعب العراقي.
أما الحرية الأميركية المزعومة فقد صارت جزءا من ماض سحيق، يُخيل إلى الساسة الأميركان أن أحدا لا يتذكره.
لا أعتقد أن الخيبة التي يسببها الموقف الأميركي-الإيراني ستؤثر سلبا على معنويات المحتجين في العراق بقدر ما ستكون عنصر دفع في اتساع دائرة الاحتجاج بعد أن تأكد الشباب من أن الحقيقة التي دفعتهم إلى مقاومة القتل تكمن في فرض إرادتهم من أجل أن تكون حريتهم عراقية خالصة.