أجبرت النجاحات المفاجئة التي حقّقتها المجموعات العسكرية المعارضة، في شمال سورية وجنوبها، الأمين العام ل “حزب الله” السيد حسن نصرالله على الخروج، في خطاب أخير له، لتهدئة خواطر جمهور حزبه، نتيجة ما حصل، محذراً إياه من تصديق “الإشاعات” والوقوع في شراك “الحرب النفسية”، كما أجبرت الرئيس السوري بشار الأسد على الظهور، في اليوم التالي، بين عشرات من مؤيديه، لتهدئة روعهم، باعتبار أن ما حصل لا يستحق الذكر وأن خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب.
هكذا تناسى الاثنان التطبيل والتزمير في وسائل إعلامهما، لدى إحراز قواتهما أي تقدم ضد المعارضة السورية المسلحة، كما شهدنا لدى سقوط بابا عمرو في حمص (2012)، والقصير (2013)، ويبرود (2014)، حتى أن المجازر الوحشية التي حصلت بحق السوريين في هذه المناطق، آنذاك، لم تمنع جمهور الأسد ونصرالله من إبداء مشاعر الاحتفاء وتوزيع الحلوى! بيد أن ظهور الرجلين لم يؤكد صدقية ادعاءاتهما، إذ تكشف عن أضعف ظهور لهما حتى الآن، فقد خلا خطاب نصرالله من لهجة التهديد والوعيد، ومن روح العنجهية والادعاءات اليقينية، التي طالما اتسمت بها خطاباته، كما بدا الأسد بين مجموعة هزيلة من مؤيديه، معزولاً ومهزوزاً وفاتر الهمة، أكثر من أي مرة سابقة.
ويتّضح من مسار الأحداث الجارية أن ثمة تطورات جديدة تحصل على الصعيد الميداني، في المشهد السوري، قد يمكنها التأريخ بالتحول في الموقف العربي نحو صدّ النفوذ الإيراني بالوسائل العملية، من اليمن إلى سورية مروراً بالعراق، مع ائتلاف “عاصفة الحزم” (آذار – مارس)، وهي نقلة كبيرة في طريقة تعامل النظام العربي مع إيران، ومع أذرعها الميليشياوية في بعض البلدان العربية. ويبدو أن هذا التحول بالذات هو الذي حضّ الإدارة الأميركية على إضفاء خطوات عملية على مواقفها من الأزمة السورية، مع حديث الرئيس باراك أوباما الذي أجراه معه الصحافي توماس فريدمان، والذي شجع فيه العرب على التحرك لوقف الكارثة في سورية، ووضع حد للأسد، مع تشديده، في هذا السياق، على ضمان أمن الدول الخليجية. (“نيويورك تايمز” في 5 نيسان – أبريل الماضي). وقد تم التشديد على هذا الموقف في ما بعد في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، منها لدى اجتماعه مع خالد خوجة رئيس “الاتئلاف الوطني السوري” في واشنطن في 2 أيار (مايو) الجاري، وإبان زيارته الرياض في 7 من هذا الشهر تحضيراً للقمة الأميركية الخليجية التي تعقد في كامب ديفيد بعد غد الخميس، والتي أكد فيها أن الأسد فقد شرعيته، وأن “داعش” موجود بسبب وجود الأسد، وأن لا دور للأسد في مستقبل سورية. إضافة إلى ذلك، كانت ثمة تسريبات من مصادر ديبلوماسية غربية مفادها أن الإدارة الأميركية “تريد خطة عسكرية – سياسية واضحة عن المرحلة المقبلة بعد خروج الرئيس بشار الأسد” من الحكم… وأن واشنطن مستعدة لدعم حلفائها في حال تقديمهم خطة تتعاطى مع تنحي الأسد “مع الحفاظ على بنية المؤسسات السورية وضمان حقوق وحماية الأقليات وحل سياسي يمنع حرباً ميليشياوية طويلة في سورية”. (“الحياة”، 2 الشهر الجاري).
هذا التحول في مواقف الإدارة الأميركية التي ظلت مترددة إزاء تعزيز دعم المعارضة السورية، والحسم في الموقف السوري، لأسباب عدة مختلفة، والتي شكلت قيداً على مستوى الدعم التركي والعربي لثورة السوريين، في السنوات الثلاث الماضية، يكمن تفسيره، على الأرجح، باستنفاد جهودها في إرهاق واستنزاف وتوريط كل من إيران وروسيا في المنطقة من لبنان إلى اليمن (وفي أوكرانيا أيضاً بالنسبة إلى روسيا). والواقع فقد بلغت الغطرسة بهاتين الدولتين حد الاعتقاد أنهما باتتا تمتلكان القدرة على تحدي إرادة الولايات المتحدة، في حين أن لا إمكاناتهما السياسية ولا الاقتصادية ولا العسكرية تسمح بذلك. وربما تمكننا ملاحظة نهاية هذه اللعبة، أو هذا الاستدراج الأميركي، مع الانكفاء الروسي والإيراني، بعد “عاصفة الحزم”، وبعد تغير مواقف الإدارة الأميركية، ما يعني أن إيران وروسيا إنما اشتغلتا في ظروف غياب النظام العربي، وبالأخص في الهامش الذي سمحت لهما به الولايات المتحدة الأميركية. في الغضون يبدو أن الولايات المتحدة تتجه نحو تفعيل دورها، وإثبات حضورها، في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن تبينه من اجتماع القمة المقبل في واشنطن وكامب ديفيد، بين أوباما وقادة الدول الخليجية، والذي يمكن أن تنتج منه توافقات مشتركة في شأن الترتيبات السياسية والأمنية في المنطقة، من اليمن إلى لبنان، مروراً بسورية والعراق، مع اعتزام الإدارة الأميركية شمول منطقة الخليج باتفاقات أمنية، وبشبكة الدرع الصاروخية، وهي رسالة ذات مغزى لإيران، مفادها أن عهد تمدد النفوذ الإيراني انتهى.
يستنتج من كل ذلك أن ثمة معطيات دولية وعربية وسورية جديدة تفيد بأن العد العكسي للانتهاء من نظام الأسد قد بدأ، من الناحيتين السياسية والعملية، وأن المشهد السوري لم يعد على النحو الذي كان عليه من قبل، ما يفسّر الإنجازات التي حقّقتها أخيراً الجماعات العسكرية المسلحة، على قوات النظام و “حزب الله”.
ثمة عوامل أخرى تؤكد هذا المسار، أيضاً، أولها استنفاد النظام طاقته، وانكشاف محدودية قدراته، واعتماده المالي العالي على الدعم الخارجي، بما فيه الدعم العسكري المباشر، من جماعات طائفية من لبنان والعراق وغيرهما. ثانيها، انكفاء حلفاء النظام وانشغالهم في مشكلاتهم الداخلية، في اليمن والعراق، وحتى في لبنان، مع ملاحظة حرص النظام الإيراني على التوافق مع الغرب، لا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية، على طي أزمة “الملف النووي”، للتخفّف من العقوبات الدولية التي باتت تثقل عليه. ثالثها، انكماش “داعش”، بخاصة في المشهد السوري، على خلفية انشغاله في العراق، موطنه الأصلي. رابعها، توافق جماعات المعارضة المسلحة على توحيد جهودها في مواجهة النظام، في الشمال والجنوب السوريين. وخامسها، بداية تفسخ النواة الصلبة للنظام، وضمنها مصرع اللواء رستم غزالة واختفاء اللواء علي المملوك، وظهور علامات على تفكك في عائلتي الأسد ومخلوف، مع أخبار عن تزايد تضعضع البيئة الحاضنة للنظام، لا سيما في حمص والساحل، على خلفية الخسائر البشرية الكبيرة التي تتكبدها، وتنامي الشعور بالخذلان من داعمي النظام السوري، وهزائم النظام المدوية في الجنوب وفي الشمال الشرقي (إدلب وجسر الشغور)، ما يؤشر إلى اقتراب وقوع منطقة الساحل في إطار التهديد.
فوق ذلك ثمة استحقاق آخر، في هذا المجال، يتمثل بالاجتماع المقبل لتشكيلات المعارضة السورية في الرياض، للاتفاق على توحيد الجهدين السياسي والعسكري، ووضع حد لواقع التشرذم والتخبط في حال الثورة السورية. وأهمية هذا الاجتماع تنبثق من حقيقة أنه يضم مختلف أطراف المعارضة، على تباينها، وأن ذلك يشمل ممثلين عن الجماعات العسكرية، ويأتي في إطار التوافق بين الدول الفاعلة والمؤثرة، في الملف السوري، لا سيما تركيا والسعودية وقطر.
ومع علمنا أن التقرير في شأن الثورة السورية، أو بخصوص مستقبل سورية، بات معلقاً على الخارج، أو على الدعم الخارجي، مع ما يعنيه ذلك من ارتهانات وتبعات وقيود وربما انتكاسات، فإن مشكلة السوريين تكمن، أيضاً، في أنهم لا يمتلكون بعد، ولوحدهم، القوى التي تمكنهم من حسم الأمور لمصلحتهم، بينما لا يزال النظام يمتلك ما يمكنه من الاستمرار للمدى المنظور، بما يعنيه ذلك من زيادة آلام وأكلاف التغيير، على رغم أن لا شيء يفيد بإمكان بقاء هذا النظام، ولا حتى لمرحلة انتقالية. فوق ذلك، فإن أحوال الثورة السورية لا تبدو على ما يرام تماماً، فثمة غياب القيادة والمرجعية والمؤسسات الكيانية، وما زال ثمة اختلاف حول ماهية هذه الثورة وتعريف مقاصدها، أو أهدافها، ما يؤثر سلباً في رؤية السوريين لذاتهم، وعلى قدرتهم على توليد إجماعات وطنية جديدة بخصوص سورية المستقبل، بخاصة مع النموذج السلبي الذي قدمته المعارضة المسلحة في إدارتها المناطق التي تخضع لسيطرتها.
باختصار باتت قضية السوريين موضوعة على الأجندة الدولية والإقليمية والعربية، أكثر من أي وقت مضى، ما يفترض بجماعات المعارضة، السياسية والمدنية والعسكرية، أن تأخذ ذلك في الاعتبار، وهذا لا يعني توحيد صفوفها فقط، وإنما يعني أيضاً، وبالتحديد العودة إلى التوافقات التي أطلقتها الثورة منذ بداياتها، في شأن سورية المستقبل، التي تتأسس على دولة المواطنين والقانون، والتي تكون نقيضاً لنظام الاستبداد والفساد والاضطهاد. فسورية لا يمكن أن تقوم إلا إذا كانت دولة ديموقراطية لكل السوريين الأحرار والمتساوين، إسلاميين وعلمانيين، قوميين ووطنيين، يساريين وليبراليين.
هكذا تناسى الاثنان التطبيل والتزمير في وسائل إعلامهما، لدى إحراز قواتهما أي تقدم ضد المعارضة السورية المسلحة، كما شهدنا لدى سقوط بابا عمرو في حمص (2012)، والقصير (2013)، ويبرود (2014)، حتى أن المجازر الوحشية التي حصلت بحق السوريين في هذه المناطق، آنذاك، لم تمنع جمهور الأسد ونصرالله من إبداء مشاعر الاحتفاء وتوزيع الحلوى! بيد أن ظهور الرجلين لم يؤكد صدقية ادعاءاتهما، إذ تكشف عن أضعف ظهور لهما حتى الآن، فقد خلا خطاب نصرالله من لهجة التهديد والوعيد، ومن روح العنجهية والادعاءات اليقينية، التي طالما اتسمت بها خطاباته، كما بدا الأسد بين مجموعة هزيلة من مؤيديه، معزولاً ومهزوزاً وفاتر الهمة، أكثر من أي مرة سابقة.
ويتّضح من مسار الأحداث الجارية أن ثمة تطورات جديدة تحصل على الصعيد الميداني، في المشهد السوري، قد يمكنها التأريخ بالتحول في الموقف العربي نحو صدّ النفوذ الإيراني بالوسائل العملية، من اليمن إلى سورية مروراً بالعراق، مع ائتلاف “عاصفة الحزم” (آذار – مارس)، وهي نقلة كبيرة في طريقة تعامل النظام العربي مع إيران، ومع أذرعها الميليشياوية في بعض البلدان العربية. ويبدو أن هذا التحول بالذات هو الذي حضّ الإدارة الأميركية على إضفاء خطوات عملية على مواقفها من الأزمة السورية، مع حديث الرئيس باراك أوباما الذي أجراه معه الصحافي توماس فريدمان، والذي شجع فيه العرب على التحرك لوقف الكارثة في سورية، ووضع حد للأسد، مع تشديده، في هذا السياق، على ضمان أمن الدول الخليجية. (“نيويورك تايمز” في 5 نيسان – أبريل الماضي). وقد تم التشديد على هذا الموقف في ما بعد في تصريحات أدلى بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري، منها لدى اجتماعه مع خالد خوجة رئيس “الاتئلاف الوطني السوري” في واشنطن في 2 أيار (مايو) الجاري، وإبان زيارته الرياض في 7 من هذا الشهر تحضيراً للقمة الأميركية الخليجية التي تعقد في كامب ديفيد بعد غد الخميس، والتي أكد فيها أن الأسد فقد شرعيته، وأن “داعش” موجود بسبب وجود الأسد، وأن لا دور للأسد في مستقبل سورية. إضافة إلى ذلك، كانت ثمة تسريبات من مصادر ديبلوماسية غربية مفادها أن الإدارة الأميركية “تريد خطة عسكرية – سياسية واضحة عن المرحلة المقبلة بعد خروج الرئيس بشار الأسد” من الحكم… وأن واشنطن مستعدة لدعم حلفائها في حال تقديمهم خطة تتعاطى مع تنحي الأسد “مع الحفاظ على بنية المؤسسات السورية وضمان حقوق وحماية الأقليات وحل سياسي يمنع حرباً ميليشياوية طويلة في سورية”. (“الحياة”، 2 الشهر الجاري).
هذا التحول في مواقف الإدارة الأميركية التي ظلت مترددة إزاء تعزيز دعم المعارضة السورية، والحسم في الموقف السوري، لأسباب عدة مختلفة، والتي شكلت قيداً على مستوى الدعم التركي والعربي لثورة السوريين، في السنوات الثلاث الماضية، يكمن تفسيره، على الأرجح، باستنفاد جهودها في إرهاق واستنزاف وتوريط كل من إيران وروسيا في المنطقة من لبنان إلى اليمن (وفي أوكرانيا أيضاً بالنسبة إلى روسيا). والواقع فقد بلغت الغطرسة بهاتين الدولتين حد الاعتقاد أنهما باتتا تمتلكان القدرة على تحدي إرادة الولايات المتحدة، في حين أن لا إمكاناتهما السياسية ولا الاقتصادية ولا العسكرية تسمح بذلك. وربما تمكننا ملاحظة نهاية هذه اللعبة، أو هذا الاستدراج الأميركي، مع الانكفاء الروسي والإيراني، بعد “عاصفة الحزم”، وبعد تغير مواقف الإدارة الأميركية، ما يعني أن إيران وروسيا إنما اشتغلتا في ظروف غياب النظام العربي، وبالأخص في الهامش الذي سمحت لهما به الولايات المتحدة الأميركية. في الغضون يبدو أن الولايات المتحدة تتجه نحو تفعيل دورها، وإثبات حضورها، في الشرق الأوسط، وهو ما يمكن تبينه من اجتماع القمة المقبل في واشنطن وكامب ديفيد، بين أوباما وقادة الدول الخليجية، والذي يمكن أن تنتج منه توافقات مشتركة في شأن الترتيبات السياسية والأمنية في المنطقة، من اليمن إلى لبنان، مروراً بسورية والعراق، مع اعتزام الإدارة الأميركية شمول منطقة الخليج باتفاقات أمنية، وبشبكة الدرع الصاروخية، وهي رسالة ذات مغزى لإيران، مفادها أن عهد تمدد النفوذ الإيراني انتهى.
يستنتج من كل ذلك أن ثمة معطيات دولية وعربية وسورية جديدة تفيد بأن العد العكسي للانتهاء من نظام الأسد قد بدأ، من الناحيتين السياسية والعملية، وأن المشهد السوري لم يعد على النحو الذي كان عليه من قبل، ما يفسّر الإنجازات التي حقّقتها أخيراً الجماعات العسكرية المسلحة، على قوات النظام و “حزب الله”.
ثمة عوامل أخرى تؤكد هذا المسار، أيضاً، أولها استنفاد النظام طاقته، وانكشاف محدودية قدراته، واعتماده المالي العالي على الدعم الخارجي، بما فيه الدعم العسكري المباشر، من جماعات طائفية من لبنان والعراق وغيرهما. ثانيها، انكفاء حلفاء النظام وانشغالهم في مشكلاتهم الداخلية، في اليمن والعراق، وحتى في لبنان، مع ملاحظة حرص النظام الإيراني على التوافق مع الغرب، لا سيما مع الولايات المتحدة الأميركية، على طي أزمة “الملف النووي”، للتخفّف من العقوبات الدولية التي باتت تثقل عليه. ثالثها، انكماش “داعش”، بخاصة في المشهد السوري، على خلفية انشغاله في العراق، موطنه الأصلي. رابعها، توافق جماعات المعارضة المسلحة على توحيد جهودها في مواجهة النظام، في الشمال والجنوب السوريين. وخامسها، بداية تفسخ النواة الصلبة للنظام، وضمنها مصرع اللواء رستم غزالة واختفاء اللواء علي المملوك، وظهور علامات على تفكك في عائلتي الأسد ومخلوف، مع أخبار عن تزايد تضعضع البيئة الحاضنة للنظام، لا سيما في حمص والساحل، على خلفية الخسائر البشرية الكبيرة التي تتكبدها، وتنامي الشعور بالخذلان من داعمي النظام السوري، وهزائم النظام المدوية في الجنوب وفي الشمال الشرقي (إدلب وجسر الشغور)، ما يؤشر إلى اقتراب وقوع منطقة الساحل في إطار التهديد.
فوق ذلك ثمة استحقاق آخر، في هذا المجال، يتمثل بالاجتماع المقبل لتشكيلات المعارضة السورية في الرياض، للاتفاق على توحيد الجهدين السياسي والعسكري، ووضع حد لواقع التشرذم والتخبط في حال الثورة السورية. وأهمية هذا الاجتماع تنبثق من حقيقة أنه يضم مختلف أطراف المعارضة، على تباينها، وأن ذلك يشمل ممثلين عن الجماعات العسكرية، ويأتي في إطار التوافق بين الدول الفاعلة والمؤثرة، في الملف السوري، لا سيما تركيا والسعودية وقطر.
ومع علمنا أن التقرير في شأن الثورة السورية، أو بخصوص مستقبل سورية، بات معلقاً على الخارج، أو على الدعم الخارجي، مع ما يعنيه ذلك من ارتهانات وتبعات وقيود وربما انتكاسات، فإن مشكلة السوريين تكمن، أيضاً، في أنهم لا يمتلكون بعد، ولوحدهم، القوى التي تمكنهم من حسم الأمور لمصلحتهم، بينما لا يزال النظام يمتلك ما يمكنه من الاستمرار للمدى المنظور، بما يعنيه ذلك من زيادة آلام وأكلاف التغيير، على رغم أن لا شيء يفيد بإمكان بقاء هذا النظام، ولا حتى لمرحلة انتقالية. فوق ذلك، فإن أحوال الثورة السورية لا تبدو على ما يرام تماماً، فثمة غياب القيادة والمرجعية والمؤسسات الكيانية، وما زال ثمة اختلاف حول ماهية هذه الثورة وتعريف مقاصدها، أو أهدافها، ما يؤثر سلباً في رؤية السوريين لذاتهم، وعلى قدرتهم على توليد إجماعات وطنية جديدة بخصوص سورية المستقبل، بخاصة مع النموذج السلبي الذي قدمته المعارضة المسلحة في إدارتها المناطق التي تخضع لسيطرتها.
باختصار باتت قضية السوريين موضوعة على الأجندة الدولية والإقليمية والعربية، أكثر من أي وقت مضى، ما يفترض بجماعات المعارضة، السياسية والمدنية والعسكرية، أن تأخذ ذلك في الاعتبار، وهذا لا يعني توحيد صفوفها فقط، وإنما يعني أيضاً، وبالتحديد العودة إلى التوافقات التي أطلقتها الثورة منذ بداياتها، في شأن سورية المستقبل، التي تتأسس على دولة المواطنين والقانون، والتي تكون نقيضاً لنظام الاستبداد والفساد والاضطهاد. فسورية لا يمكن أن تقوم إلا إذا كانت دولة ديموقراطية لكل السوريين الأحرار والمتساوين، إسلاميين وعلمانيين، قوميين ووطنيين، يساريين وليبراليين.