في الآونة الأخيرة، قبل أسبوع تحديدًا، واحد من مؤسسي الحرس الثوري الإيراني، محسن رفيق دوست، قال إنَّ إيران مستعدة لـ “مساعدة” الحكومة العراقية في تأسيس الحرس الثوري الخاص بها. أعلن رفيق دوست خلال مقابلة مع نادي الصحفيين الإيرانيين في 7 يونيو، أنَّ قوات النخبة يمكن أن تدافع عن العراق ضد ما وصفه بــ “التوتر وعدم الاستقرار.” وأضاف رفيق دوست: “لقد كان الحرس الثوري الإيراني ناجحًا على الساحة الدولية، ولديه القدرة على أن يصبح نموذجًا جيّدًا للبلدان في المنطقة.” كما كشف رجال الدين الشيعة البارزين أيضًا أنَّ إيران تخطط لإقامة قواعد عسكرية على الأراضي العراقية بالقرب من الحدود مع المملكة العربية السعودية.
في تلك الأثناء، يعمل قاسم سليماني، القائد البارز في الحرس الثوري الإيراني، على هذه الخطة في العراق، وربما في سوريا، ويساعد الحرس الثوري الإيراني مختلف الجماعات الشيعية المسلّحة في البلدين على الاندماج كمرحلة أولى في تنفيذ مشروع رفيق دوست. ويصل عدد مقاتلي الجماعات الشيعية المسلّحة في العراق إلى 100 ألف وفي سوريا يتراوح العديد بين 30 إلى 40 ألف مقاتل.
وعلاوة على ذلك، أصدرت قوات الأمن الإيرانية عدة بيانات في الأسابيع القليلة الماضية تُعلن فيها إرسال ما لا يقل عن ثلاث كتائب من فيلق القدس، الفرع الخارجي للنخبة في الحرس الثوري، إلى العراق لقتال تنظيم الدولة الإسلامية
في العراق، ركّز فيلق القدس على تنظيم وتدريب كتيبة الخراساني التي تتكّون من الشيعة العراقيين، وهي نفس المجموعة التي اقترحها رفيق دوست كنواة لفيلق الحرس الثوري الإسلامي العراقي المخطط له أو حزب الله جديد في العاق أو أيًا كان الاسم الذي يختارونه.
في الوقت نفسه، نقل موقع إخباري إيراني تصريحات قائد القوة البحرية للحرس الثوري الجنرال علي فدوي أنَّ طهران تدرب “المتطوعين” في جزيرة فرور في منطقة الخليج. وأوضح فدوي أنَّ الهدف من ذلك هو بناء قوة انتشار سريع جاهزة للانتقال إلى مناطق الصراع بسرعة.
مثال على هذا النوع من القوات التي بناها الإيرانيون هي كتيبة الخراساني التي تلعب دورًا حاسمًا في حملة تحرير الفلوجة من داعش. تحت هذا الغطاء، ارتكبت كتيبة الخراساني مجازر لا توصف ضد السكّان السُنة الذين يعيشون حول الفلوجة. تحدث موقع “ميدل إيست بريفنج”مع إثنين من شهود العيان تمكنا من الفرار من منطقة المعارك إلى لندن. وهناك محاولة حالية لتوثيق الفظائع التي ارتكبتها الميليشيات الشيعية ضد السُنة في العراق. لم نتمكن من التأكد بشكل مستقل من قصص شهود العيان، ولكنَّ رواياتهم كانت متطابقة تقريبًا، على الرغم من أننا تحدثنا إليهم بشكل مستقل. ومنظمات حقوق الإنسان تحقق بالفعل في هذه المسألة.
وقال شاهد عيان الأول إنَّ الميليشيات أمرت بالفصل بين الرجال والنساء، وأخذت حوالي 1000 رجل تتراوح أعمارهم بين 12 و50 سنة إلى مدرسة اسمها “ذو النورين” على الطريق بين بوكاش والصقلاوية. معظم الذكور الأسرى ينتمون إلى قبيلة محمدة.
في ساحة المدرسة، قيل للمعتقلين إنّهم مسؤولون عن مجزرة مخيم سبايكر، التي وقعت يوم 12 يونيو عام 2014 عندما هاجم تنظيم داعش معسكر التدريب التي تديره حكومة سبايكر وقتل أكثر من 1700 جنديًا جميعهم من الشيعة.
تعتقد الميليشيات الشيعية أنَّ المواطنين السُنة المحليين شاركوا في الهجوم. وهذا هو السبب في أنَّ رجال الميليشيا الذين أخذوا الأسرى إلى المدرسة قالوا لهم إنَّ هذا هو الوقت المناسب للانتقام للمذبحة وكانوا يهتفون من أجل “أرواح شهداء سبايكر”.
وقال لنا شاهد العيان الأول إنَّ نحو 300 من المعتقلين قُتلوا في المدرسة. وبعدها تمّ نقل السجناء إلى عنبر بالصقلاوية حيث قُتل المزيد منهم (لا يعرف الشاهد العدد بالضبط). وتمّ نقل البقية في وقت لاحق إلى معسكر الميليشيات في منطقة المزرعة.
وكان هناك وفد من أعضاء البرلمان في طريقهم من منطقة بغداد عندما بدأ شيوخ قبيلة “محمدة” يشتكون من اعتقال رجالهم. أراد الوفد، برئاسة النائب غازي المحمدي، تفقد السجناء. وعندما وصل الوفد إلى مخيم المزرعة، وجدوا 605 فقط من أصل 1000 معتقل، والبقية قُتلوا بطرق مختلفة يصعب وصفها بالكلمات.
وأكّد الشاهد الثاني قصة الشاهد الأول مضيفًا بعض التفاصيل حول عشرات من أسماء الضحايا الذين أُعدموا أمام ذويهم في المدرسة والعنبر. وهناك بعض منظمات حقوق الإنسان تحقق بالفعل في القضية. وتجدر الإشارة إلى أنَّ شيوخ قبيلة “محمدة” أعلنوا ولاءهم لتنظيم داعش في يوم 9 يونيو، بعد أيام قليلة من انتشار خبر المذبحة.
الميليشيا الشيعية المعروفة رسميًا باسم قوات الحشد الشعبي، برئاسة أبو مهدي المهندس، ارتكبت أفظع الجرائم ضد السُنة في اثنين من المناطق المحرّرة حديثًا، الصقلاوية والكرمة، على بُعد كيلومترات فقط من مدينة الفلوجة.
هناك أمران واضحان مما سبق:
تعتزم إيران إنشاء فيلق حرس ثوري إسلامي جديد في كل من العراق وسوريا. وهذا سيمكّن طهران من الاعتماد على القوات المحلية لضمان الجسر المخطط له نحو شرق البحر الأبيض المتوسط. ولذلك، فإنَّ قوات الحرس الثوري الإيراني الجديد في العراق وسوريا ستعمل مع حزب الله في لبنان مع فصل شمال بلاد الشام عن بقية العالم العربي.
الحرس الثوري الإيراني الجديد لديه مهمة مركزية. المآسي التي تجري الآن حول الفلوجة تشير إلى أنَّ مهمته العاجلة هي نشر الرعب والخوف بين السُنة من السكّان الأصليين، وبالتالي منع أهل السُنة من التنظيم لبناء قوة للدفاع عن أنفسهم.يواجه هذان الهدفان عقبات مختلفة. العقبة الرئيسية هي أن الغالبية العظمى من السكّان في كل من سوريا ووسط العراق هم من السُنة. ليس هناك شكّ في أذهاننا، وينبغي ألّا يكون هناك شك في أذهان أي مراقب، أنَّ السُنة سيكون لهم ردة فعل. وهذا يعد بعقود طويلة من الحروب الطائفية التي ستقضي على أي أمل في بناء هوية وطنية شاملة في كل من سوريا والعراق.
وهذا هو بالضبط ما تريده إيران. كما كتبنا مرارًا وتكرارًا، تشعر إيران بأنها واقعة تحت التهديد في حالة وجود دولة قومية مستدامة على حدودها الغربية. لقد ساعدت رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي لتقطيع أوصال العراق. كما تساعد حزب الله في لبنان في إبقاء لبنان منقسمة. والآن، تساعد الميليشيات الشيعية العراقية لاجتياح الأراضي السُنية وسط العراق.
أمر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي وزير الدفاع خالد العبيدي بإجراء تحقيق “شامل” في جرائم الميليشيات الإيرانية حول الفلوجة. ولكن لا يتحكم أي منهما في قوات كافية أو يمكنه حشد الدعم السياسي الكافي لفعل أي شيء حقيقي لإنقاذ العراق. وترفض قوات الحشد الشعبي أوامر العبادي للانسحاب من المناطق حول الفلوجة.
من الواضح الآن أنَّ إيران قد انتقلت بالفعل إلى أعمال القتل في بلاد الشام والعراق. وروسيا تشاهد بحماس، في حين تمضي قُدمًا في تحالفها المتجدد مع طهران. في 9 يونيو، اجتمع وزراء الدفاع من روسيا وإيران وسوريا في طهران لبحث سُبل تعزيز التعاون في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة.
وقال وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان بعد الاجتماع إنَّ الدول الثلاث أظهروا عزمهم على محاربة الإرهابيين (الذين لا يشملون قوات الحشد الشعبي أو حزب الله ولا شبيحة الأسد في رأيه). وأضاف: “تستند علاقاتنا إلى مواجهة وهزيمة الجماعات الإرهابية ومنع أي شخص من تقديم المساعدة لهم”.
لكن الجنرال دهقان كان يقصد الجماعات السُنية حصرًا، وليس الجماعات الإرهابية بشكل عام. لقد قصفت روسيا جماعات سُنية غير إرهابية في سوريا، وقتلت إيران المدنيين السُنة في جميع أنحاء الفلوجة، وروسيا تدعم بنشاط مشروع جسر طهران وحزب الله. وعلاوة على ذلك، يحارب أهل السُنة في العراق وسوريا ولبنان قوات داعش والميليشيات الموالية لإيران في الوقت نفسه، وربما هذا يجعلها تستحق الشارة الإرهابية في معجم إيران ومن ثمّ قصفهم من قبل روسيا وقتلهم على أيدي “الحرس الثوري العراقي”، وكذلك قوات الأسد.
ميدل إيست بريفنج – إيوان24