انطلاقا من أهمية المسؤولية الاجتماعية للإعلام والأدوار المهمة التي يلعبها في تكوين الرأي العام، كان لابد من تنظيم القطاع الإعلامي السوري عبر ميثاق شرف يعزز أخلاقيــات العمـل وقواعــد الســلوك المهنيــة، التي يجب أن تتحلى بها المؤسسات الإعلامية، والمتمثلة بضـرورة إنتاج مواد موضوعية ومنصــفة، شــاملة ودقيقــة، صــادقة ونزيهة، تحقق الصالح العام، عن طريق احتـرام القـانون والمبادئ العامة الأساسية، المعلن عنها في العهود والمواثيق، والإعلانات الدولية، وخاصة منها ما يتعلق بحفظ كرامة الإنسان وحقـوقه.
ومن أهمية هذا الدور أطلقت هيئة “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين” نشاطها في 14/06/2015 من مدينة إسطنبول بعد أن وقعت 20 مؤسسة إعلامية سورية الوثيقة المهنية والأخلاقية الأولى، الناظمة للعمل الإعلامي السوري، وذلك بعد عام ونصف من النقاش الجماعي بين صحفيين من مؤسسات إعلامية مختلفة، مدعومة باستشارات من خبرات إعلامية دولية.
وحول التأسيس قال الأستاذ أكرم الأحمد، عضو مجلس إدارة “ميثاق شرف للإعلاميين السوريين” لموقع “سيريا برس” الإخباري: توافق ممثلي عدة مؤسسات إعلامية على اللقاء والتشاور حول ترسيخ قواعد أخلاقية، ووضع آليات لضبط المحتوى الإعلامي للمؤسسات السورية المستقلة، التي نشأت مع انطلاق الثورة السورية، وبعد نقاشات طويلة استمرت على مدار عام كامل تم وضع خارطة الطرق الممكنة لتطوير قطاع الإعلام وبناء صحافة جادة بناءة تساهم في تطوير المجتمع وتدفع لتجاوز الآثار السلبية التي خلفتها سنيين الحرب التي عاشها السوريين.
وأضاف الأحمد، اجتمعت المؤسسات حول ثماني طاولات مستديرة كل اجتماع استغرق يومين عمل بوجود خبراء عرب، وتم نقاش مستفيض حول العديد من النقاط الخلافية التي أثارها المشاركون، ومن أهم ما تم نقاشه خلال عام كامل هو الهوية للوثيقة الأخلاقية التي تم توقيعها فيما بعد بالإضافة لإطار عمل هذه الوثيقة واهم القواعد التي يجب أن تحتويها، وبعد نقاشات جادة كانت ذات طابع حاد في كثير من مفاصلها وقع ممثلي 20 مؤسسة على وثيقة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين في 14 حزيران عام 2015، وقرر المشاركون تأسيس هيئة خاصة بالميثاق لمتابعة تطبيقه والتأكد من الامتثال للقواعد التي وقعت عليها المؤسسات ولحث المؤسسات المستقلة للمشاركة والانضمام لهيئة ميثاق شرف للإعلاميين السوريين.
وتابع الأحمد، وضع نظام داخلي وسياسة إجراءات للهيئة المشكلة بالإضافة لانتخاب مجلس الإدارة الأول من أعضاء الهيئة العامة لمتابعة المكتب التنفيذي ووضع استراتيجيات عمل للهيئة لتطوير قطاع الإعلام، وعملت هيئة الميثاق على عقد أربع لقاءات مع الأعضاء الموقعين كل لقاء استمر لمدة يومين، بهدف تطوير قواعد العمل وترسيخ قيم الميثاق لدى الأعضاء، ونفذت الهيئة عدة تدريبات ومنتديات لتعريف الأعضاء والمشاركين من الصحفيين المستقلين بأهم القيم العالمية للعمل الصحفي.
وانتخب مجلس الإدارة الثاني ببداية عام 2018 ليقوم بمهمة تطوير عمل الهيئة وتنفيذ أنشطة داعمة لعمل إدارة الميثاق، بالإضافة لعقد الجمعية العامة الأولى ببداية عام 2019 لتطوير نظام العضوية وبعض التعديلات في سياسة الإجراءات والتوافق على قضايا أساسية لتطوير عمل هيئة الميثاق، ونفذ مجلس الإدارة الثاني أنشطة داخل سورية بالإضافة لزيارة العراق واللقاء مع مؤسسات إعلامية سورية هناك لحثها لتكون جزء من الأعضاء الملتزمين بقواعد الميثاق، بالإضافة للقاءات مع منظمات دولية بهدف المشاركة مع الحراك الدولي في قضايا الصحافة الأخلاقية، والمشاركة في مؤتمرات صحفية دولية.
ولخلق حالة من التوازن والاستقرار للمؤسسات السورية وتطوير قطاع الإعلام، عقد مجلس إدارة هيئة الميثاق عدة لقاءات تشاورية مع خبراء لتأسيس لجنة شكاوي، وتطوير الورقة التي وضعها مجلس الإدارة الأول حول لجنة شكاوي وبهدف متابعة ومعالجة المشاكل الإعلامية المتعلقة بالمحتوى الإعلامي للمؤسسات، وعملت الهيئة على تطوير نظام عمل اللجنة ووضع أسس عملية لإطلاق لجنة الشكاوي في شهر أب من هذا العام بعد وضع الخطوط العريضة للنظام الداخلي للجنة والمعالم الأساسية لطريقة تشكيلها وإطلاقها.
وختم الأحمد بقوله في بداية عام 2020 تم انتخاب مجلس الإدارة الثالث، الذي أقر استراتيجية التواصل لميثاق شرف للإعلاميين السوريين، ويعمل على متابعة إطلاق لجنة الشكاوي، وتطوير التعليمات التنفيذية للميثاق.
ويضم الميثاق حالياً 32 مؤسسة إعلامية، يتنوع إنتاجها بين صحف ومجلات مطبوعة وإذاعات وقناة تلفزيونية ومواقع إخبارية ووكالات أنباء، تلتزم جميعها بمراعاة خصوصيات الجمهور، وعدم التمييز الديني أو الطائفي أو المذهبي، واحترام حرية الفكر والمعتقد والتعبير، والتعامل مع الأطفال والقاصرين بحذر كما تنص عليها اتفاقية حقوق الطفل، والامتناع عن نشر أية مادة إعلامية، من شأنها أن تشجع على الجريمة و العنف، وأن تسعى إلى إحقاق العدالة والسلم الأهلي والعالمي.
وعن أهمية انضمام المؤسسات الإعلامية السورية لميثاق شرف الإعلاميين السوريين قال أمين عام الميثاق الأستاذ مرشد النايف إلى “سيريا بريس”، في تقديري الشخصي أن الأهمية، تنبع من قدرة الميثاق على مساعدة المؤسسات الإعلامية، في توطين ممارسات صحفية منضبطة بمعايير تفضي إلى إنتاج محتوى عالي الجودة، مهنيا وأخلاقيا، ويمكن القول إن الميثاق يساعد المؤسسات الإعلامية على كسب ثقة الجمهور، وزيادة هذه الثقة، من خلال الالتزام الطوعي بالمبادئ الواردة في لوائحه الداخلية. قيم تنظر إلى المعلومات/ الأخبار بوصفها خيراً اجتماعياً، يحسّن حياة الناس ويساعدهم على اتخاذ قرارات صائبة، وليست سلعا تباع في سوق الإعلانات.
وأشار “النايف” إلى أن الثقة تنتج المصداقية، وهي من الأصول الثمينة لأي مؤسسة إعلامية، بل أهمها على الإطلاق، المصداقية تبنى تدريجيا، تراكميا بالاعتماد على مبادئ: الدقة. الاستقلالية. الحيادية. الإنسانية (الوعي بتأثير كلماتنا وصورنا على الآخرين). المسؤولية (الصحفي مسؤول عن المعلومات التي ينشرها). وما تقدم هي مبادئ تتقاطع حول جوهرها، جميع مدونات السلوك الخاصة بالإعلام، و يمكن للميثاق أن يكون علامة جودة إضافية للمؤسسة الراغبة في عضويته، فهو يساعدها على تنقية المحتوى من خطاب الكراهية. التحقير. التمييز ضد النساء والأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة.. إلخ. ويساعدها في بناء محتوى دقيق. عادل يمثل جميع مكونات المجتمع. يحترم الخصوصية. مسؤول يقبل الرد والتصحيح.
وتلتزم هيئة الميثاق بالممارسات العادلة والحوكمة والشفافية المعتبرة في منظمات المجتمع المدني العالمية، وتطمح إلى ترسيخ مبادئ الميثاق في المشهد الإعلامي السوري، من خلال السعي إلى توطين مهارات ومعارف مهنية عصرية لدى المؤسسات الأعضاء، كما تتطلع الهيئة إلى تقديم دعم استشاري للمؤسسات الأعضاء في قضايا هامة تندرج جميعها ضمن المعايير المهنية الأخلاقية الدولية، وبما يتلاءم والخصوصية السورية.
وفيما يتعلق بالآليات التي سيتبعها الميثاق في المستقبل لتحقيق رؤيته وأهدافه، قال رئيس مجلس إدارة الميثاق الأستاذ أيمن المحمد إلى “سيريا برس” يعمل الميثاق على عدة مستويات للمضي في استراتيجته، من خلال رفع انخراط الأعضاء في الميثاق من خلال تبني قيمه والالتزام بمبادئه خلال عمليات إنتاج الأنواع الصحفية المختلفة، علاوة على ذلك، يعمل الميثاق على تعزيز وبناء قدرات المؤسسات والأعضاء بإقامة ورشات ومنتديات عمل تركز على القيم الجامعة التي أعلنها الميثاق في أنظمته وقوانينه.
وتابع رئيس الميثاق بالقول، ويمكن الحديث أيضا عن مستوى آخر لتنفيذ تلك الاستراتيجية يركز على التشبيك مع شبكات ومنظمات وهيئات دولية تتقاطع وأهداف الميثاق والسعي إلى توقيع شراكات أو نيل عضوية فيها مثل شبكة الصحافة الأخلاقية، وطبعا لا يمكن إغفال الحديث عن المانحين، فنحن في هيئة الميثاق نعمل بجد على توسيع مظلة المانحين وعلى إيجاد شركاء جدد، ونأمل أن يتحقق شيء من ذلك في المستقبل القريب.
لقد استقرأ الصحفيون الأوائل منذ مايقارب المئتي عام، أهمية تنظيم القطاع الإعلامي حتى لايحيد عن دوره، فأصدر نادي الإعلاميين في السويد عام 1874، ميثاق شرف صحفي، وتلت ذلك عدة مواثيق للصحفيين وللمؤسسات الإعلامية في فرنسا، والولايات المتحدة الأمريكية، حتى أطلق “الاتحاد الدولي للصحفيين” عام 1954 “إعلان مبادئ عالمي لممارسة مهنة الصحافة”، الذي جرى تعديله في المؤتمر العام للاتحاد في 1986. وقد تبنته نقابات واتحادات الصحفيين حول العالم، وبعد أعوام طويلة أطلق أول “ميثاق شر ف للإعلاميين السوريين” لتعزير دور مؤسسات الإعلام السورية، على أساس التوافق بين المبادئ الأخلاقية والمعايير القانونية الدولية لحقوق الإنسان الملزمة للإعلام والإعلاميين، والتي أقرت بمركز الفرد وأحقيته في التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في المعاهدات الدولية الأساسية، ليحقق نقلة نوعية في تطوير الإعلام السوري المستقل.
نقلا عن أنباء سوريا