في مقال على موقع «Project Syndicate» المتخصص بالعلاقات الدولية والاقتصاد والتنمية، تناول الكاتب «براهما شيلاني» أستاذ الدراسات الإستراتيجية بمركز نيوديلهي للأبحاث السياسية، وزميل معهد روبرت بوش ببرلين، أزمة الأمن المائي في الدول العربية، وعلاقتها بالصراعات الحالية في المنطقة، كما قدم عدة اقتراحات للقضاء على تلك الأزمة الملحة.
يشير الكاتب أن العالم العربي أصبح أكثر مكان في العالم تندر فيه المياه العذبة، إذ تضم المنطقة عدة دول تعد الأفقر مائيًّا على مستوى العالم مثل البحرين، وجيبوتي، والأردن، والكويت، وليبيا، وقطر، والسعودية، والإمارات، وغزة.
وتفاقم ذلك الفقر المائي نتيجة للانفجار السكاني، وتدهور النظم البيئية الطبيعية، بالإضافة لحالة عدم الاستقرار التي تلقي بظلالها على مستقبل هذه البلدان. يتأثر الوضع أيضًا بالضغوط الداخلية والخارجية، والحروب الأهلية، وعمليات الهجرة الجماعية من مناطق الصراع.
العلاقة بين أزمة المياه والعنف في الشرق الأوسط
يرى الكاتب أن ما لا يدركه الكثيرون هو كيف تسهم ندرة المياه تلك في دائرة العنف، إذ يشير إلى أن من بين أسباب ثورات الربيع العربي هو ارتفاع أسعار الغذاء، والذي يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأزمة المائية في المنطقة. تمثل المياه أيضًا دافعًا للعداء بين الدول، مثل حوض الديسي الذي تتسابق السعودية والأردن للسيطرة عليه.
بحسب المقال، يمكن أن تستخدم المياه كسلاح أيضًا، كما يحدث في سوريا، إذ يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية «داعش» على منابع نهري دجلة والفرات، كما أشار الكاتب إلى حقيقة أن أكثر من نصف المياه العذبة التي يعتمد عليها العرب تتدفق بالأساس من منابع غير عربية، مثل تركيا، ومثل دول منبع نهر النيل، وهو ما قد يمثل سببًا جديدًا في تفاقم أزمة الأمن المائي لما هو أسوأ من الوضع الحالي.
أرقام مقلقة
في المقابل، تقدم بعض الدول دعمًا على المياه، إلى جانب بعض المواد الأخرى مثل البنزين والغذاء، أملًا في تحقيق استقرار اجتماعي، إلا أن مثل هذا الدعم لا يؤدي سوى لتشجيع الإسراف في استخدام هذه المواد، وتسريع استنزاف الموارد المائية، وزيادة التدهور البيئي.
بحسب الكاتب، تحتاج الدول العربية إلى تحرك عاجل لكسر تلك الحلقة المفرغة، ويرى أن البداية يجب أن تكون هي استغناء الدول عن المحاصيل الزراعية التي تستنزف الماء بكثافة، كما يجب أن تتحول تلك الدول لاستيراد الحبوب والبذور الزيتية ولحوم الأبقار من الدول الغنية مائيًّا، والتي بإمكانها إنتاجها بكفاءة واستدامة.
حلول مقترحة
الخطوة الأخرى الواجب اتخاذها هي توسيع وتعزيز البنية التحتية المائية لمعالجة النقص الموسمي للمياه، كما يجب زيادة كفاءة التوزيع، والاستفادة من الأمطار كمصدر إضافي للمياه. يشير الكاتب على قناة البحر الميت إلى مثال، وهو اتفاق عقدته الأردن مع إسرائيل لشق قناة بين البحر الميت والبحر الأحمر، وهو ما سيوفر مصدرًا للمياه لكل من الأردن، وإسرائيل، وفلسطين.
بحسب المقال، فإن تحسين الإدارة المائية هو من بين العوامل الهامة لمحاربة لزيادة الأمن المائي للدور العربية، ويمكن الوصول إلى ذلك من خلال وضع تسعير مناسب للمياه، يخلق حافزًا لوقف إهدار المياه والحفاظ عليها، مع المحافظة على دعم جزئي للمياه يكون مخصصًا للمزارعين، والعاملين الذي يحتاجون للماء بشدة في أعمالهم، وإعادة تقييم ذلك الدعم بحيث يحافظ هؤلاء أيضًا على المياه.
وبالتأكيد، يظل بإمكان الدولة الغنية مثل السعودية، وقطر، والكويت، والإمارات معالجة أزمة المياه بسرعة أكبر من الدول التي تمزقها الصراعات كاليمن، وليبيا، والعراق. في النهاية، يرى الكاتب أن تحسين إدارة الموارد المائية، وحمايتها هو عامل أساسي لكسر دائرة العنف، والصراعات في الشرق الأوسط.
أشار تقرير للأمم المتحدة إلى أن معدل توافر المياه سنويًّا في العالم العربي قد يتراجع ليصل إلى 460 مترًا مكعبًا للفرد، وهو أقل من نصف الحد الأدنى المطلوب لتخطي عتبة الفقر المائي، والمقدر بـ1400 متر مكعب، وهو ما سيزيد من صعوبة الوضع، ويؤدي لمزيد من الاضطراب.يضيف الكاتب أنه يجب أن تقلل الدول في المنطقة العربية من المياه المستهلكة في الزراعة بشكل عام، عن طريق استخدام التكنولوجيا الحديثة، وأفضل الطرق التي تم التوصل لها عالميًّا لتقليل استهلاك المياه. من الممكن أيضًا الاستفادة من تقنيات التغشية والتقطير لتنقية المياه الملوثة، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي، وتحلية مياه البحار. يشير الكاتب أيضًا إلى أن استخدام عملية الري بالتنقيط بكفاءة يمكن أن يرفع إنتاج المنطقة من الخضر والفاكهة دون استخدام زائد للمياه.
مركز الشرق العربي