شتاء قارص على الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد ومساعديه، في ضوء تراشق الاتهامات بالفساد والانحراف والخيانة علناً، وأحكام بالسجن ما مجموعها 63 عاماً أصدرتها محكمة في طهران على حميد بقائي مساعد الرئيس السابق.
وقد يتحول هذا الشتاء الذي بدأ الجمعة الماضية في إيران في احتفال سنوي تقليدي عام، إلى ربيع دافئ لخصوم أحمدي نجاد من التيارين المعتدل والإصلاحي على وقع تصريحات لافتة صدرت عن ممثل الولي الفقيه في المجلس الأعلى للأمن القومي وأمينه العام الأميرال علي شمخاني قال فيه ان المجلس قرر رفع الإقامة الجبرية عن الزعيمين الإصلاحيين الإيرانيين، مير حسين موسوي ومهدي كروبي اللذين يقبعان تحت الإقامة الجبرية في طهران منذ عام 2011، بشكل تدريجي.
وفيما أعلن حميد بقائي أن القضاء أدانه بالسجن 63 عاماً، متهماً رئيس القضاء آية الله صادق لاريجاني بالثأر منه لأنه كشف عن 63 حساباً بنكياً تابعا له، أعلن القضاء أن هذه الحسابات ليست شخصية ملمحاً إلى احتمال سجن نجاد وأنه أصدر حكماً ضد مستشاره ورئيس وكالة الأنباء «إرنا» الرسمية في عهده علي أكبر جوانفكر بتهمة «نشر الأكاذيب».
ونقلت وكالة «ميزان» التابعة للقضاء عن رئيس المحكمة الإدارية القاضي حميد رضا حسيني، أن القضاء أصدر حكماً ضد علي أكبر جوانفكر، الرئيس التنفيذي السابق لوكالة الأنباء الرسمية والمستشار الإعلامي للرئيس السابق.
وحسب حسيني، فإن القضاء يعلن قريباً طبيعة الحكم الصادر ضد جوانفكر بعدما مثل أمامه بتهمة «الإخلال في النظام العام والمشاركة في الإساءة ونشر الأكاذيب ضد النظام».
وقبل صراعه الحالي مع رئيس القضاء وشقيقه رئيس البرلمان علي لاريجاني كان أحمدي نجاد دخل في صراع مكشوف ومباشر مع الرئيس الأسبق الراحل أكبر هاشمي رفسنجاني وأسرته، وقام في الوقت نفسه في العام 2009 بحملة استهدفت رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد خلال الحملة الانتخابية وفي المناظرات التلفزيونية.
وكان نجاد سعى خلال تلك المناظرات إلى الظهور بصورة ابن الشعب الفقير الذي يواجه «الأسر النافذة» ونجح إلى حد كبير في تحطيم صورتها لدى عامة الناس، إلا أن ولايته الرئاسية الثانية كشفت الكثير مما كان يخفيه عن الناس كما يقول خصومه.
ووجه رئيس القضاء صادق لاريجاني الأسبوع قبل الماضي تهماً مباشرة إلى أحمدي نجاد بـ«إثارة الفتنة والمنحرف وأبرز الداعمين للتاجر المتهم باختلاس 3 مليارات من مبيعات النفط بابك زنجاني». ولم يختصر هجوم القضاء ضد أحمدي نجاد على صادق لاريجاني، إذ وصفه المتحدث باسم القضاء غلام حسين اجئي، والمدعي العام للبلاد محمد جعفر منتظري بـ«الكذاب» و«سوقي فاقد للقيمة».
وفِي تشرين الأول/اكتوبر الماضي، شهد البرلمان الإيراني تحركاً بين النواب المقربين من رئيس البرلمان علي لاريجاني للمطالبة بإقصاء أحمدي نجاد من مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومحاكمته بعدما أظهر تقرير لديوان العدالة الإيراني ارتكابه جنحاً مالية.
ويتحدى أحمدي نجاد القضاء مثلما تحدى المرشد علي خامنئي عندما تقدم للترشح للانتخابات الرئاسية في نيسان/أبريل الماضي، وذلك بعد ستة أشهر من إعلان المرشد خامنئي أنه نصحه بعدم الترشح لها. واعتبرت أوساط إيرانية رفض ترشح أحمدي نجاد بمثابة إنهاء حياته السياسية وخروجه من المشهد السياسي. كما توقعت أوساط إمكانية فرض الإقامة الجبرية عليه، لكن خامنئي في خطوة مفاجئة جدد عضويته في مجلس تشخيص مصلحة النظام في آب/اغسطس الماضي، بعدما التزم نجاد الصمت تجاه رفض ترشحه، في محاولة للإبقاء عليه تحت مظلة النظام.
لكن نجاد أظهر منذ عودته إلى المشهد السياسي، أنه عازم على التحدي ملوحاً بوثائق سيطر عليها عندما عين نفسه مسؤولاً عن إدارة وزارة الاستخبارات بعد إقالة وزيرها آنذاك حيدر مصلحي خلافاً لرغبة المرشد، ونجح خلال فترة سيطرته على الوزارة في الحصول على وثائق سرية تدين الكثير من الرموز وتجعله بمنأى عن أي محاسبة، ولهذا جدد انتقاداته للإخوة لاريجاني، في رئاسة القضاء، والبرلمان، وقال قبل نحو أسبوعين إنه يريد إنقاذ البلد من سوء الإدارة.
زعماء الإصلاح
في المقابل، يبدو أن محاولات إزالة أو تخفيف القيود المفروضة على زعماء الإصلاح بدأت تؤتي أكلها في تصريحات أطلقها علي شمخاني أمين عام المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني الذي قال إن هناك «حلحلة» في ملف الزعيمين الإصلاحيين، مير حسين موسوي (وزوجته) ومهدي كروبي اللذين يخضعان للإقامة الجبرية منذ عام 2011، وأنها سترفع عنهم بشكل تدريجي. ولَم يكشف شمخاني المزيد حول كيفية رفعها إلا أنه دعا وسائل الإعلام إلى تجنب نشر ما يلوث الأجواء العامة، في إشارة إلى محاولة استثمار الصراع الحالي بين أحمدي نجاد والاخوة لاريجاني نحو إيجاد موازنة في النظام لصالح الإصلاحيين.
وبينما قللت أسرة كروبي من الاعتماد على مثل هذه التصريحات التي تكررت كثيراً في السابق دون نتيجة، كشف نائب رئيس البرلمان علي مطهري، عن وجود ما سماها «مرونة» قال إنها برزت مؤخراً بين كبار المسؤولين لرفع الإقامة الجبرية عن الزعيمين الإصلاحيين، موسوي وكروبي معتبراً القيود عليهما «غير قانونية» و«انتهاكاً للدستور». وقال مطهري في خطاب له بمناسبة يوم الطالب في إيران، إن كبار المسؤولين الإيرانيين «يبدون مرونة في الآونة الأخيرة حول قضية الإقامة الجبرية». لكن مطهري في الوقت ذاته حذر وسائل الإعلام من التفاعل مع القضية ودعاها إلى التهدئة وقال «يجب أن نتعاون حتى يقوم الأصدقاء بعملهم لأن إثارة الموضوع في وسائل الإعلام من الممكن أن يؤدي إلى تراجع البعض عن قراراتهم».
وتفرض السلطات الإيرانية الإقامة الجبرية على رئيس الوزراء الأسبق مير حسين موسوي وزوجته زهراء رهنورد ورئيس البرلمان الأسبق مهدي كروبي بعدما ترشحا للانتخابات الرئاسية 2009 ورفضا الاعتراف بنتائجها ودعا إلى الاحتجاج في مظاهرات سببت الكثير من الحرج لنظام الجمهورية الإسلامية.
ولجأت السلطات إلى استخدام العنف لقمع الاحتجاجات مما أدى إلى مقتل عدد من المتظاهرين وبعضهم قتل في التعذيب بسجن كهريزك الذي أمر خامنئي فيما بعد بإغلاقه وقدم المتسببين عن القتل إلى المحاكمة.
وتقول السلطات الإيرانية إن قرار فرض الإقامة الجبرية منذ شباط/فبراير 2011 جاء من مجلس الأمن القومي الذي كان أحمدي نجاد رئيسه.
نادمون
وفِي الاتجاه نفسه لكن على محور آخر، شدد الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي وهو أيضاً يتعرض لضغوط من المحافظين، على أنه وباقي المتحالفين معه في جبهة الإصلاح، يواصلون دعمهم للرئيس الحالي (المعتدل) حسن روحاني ولن يتراجعوا عن هذا الدعم مشيراً إلى حملة «نادمون» ووصف الانتقادات له بـ«المؤامرة المبرمجة» التي تريد «إحباط» الإيرانيين.
وتزامنت الحملة مع نقاش ساخن شهدته وسائل إعلام إصلاحية حول الموقف من روحاني ومستقبل علاقاته بالتيار الإصلاحي، بموازاة حملة تشهدها مواقع التواصل الإلكتروني تحت عنوان «نادمون» وهي تتهم روحاني بالتخلي عن وعوده الانتخابية.
وأطلق الحملة عدد من الناشطين الإيرانيين للتعبير عن ندمهم على المشاركة في الانتخابات، منتقدين تجاهل الرئيس روحاني الوعود التي أطلقها قبل الانتخابات التي جرت في 19 أيار/مايو الماضي. وشدد أغلب المشاركين في الحملة على أنهم نادمون على المشاركة في الانتخابات، وليس عدم التصويت لأحد منافسي روحاني.
وإلى جانب وعود دعم الحريات، يواجه روحاني انتقادات متزايدة بسبب الوعود التي أطلقها لرفع الإقامة الجبرية عن موسوي وزوجته زهرا رهنورد وكروبي، إضافة إلى القيود المفروضة على نشاط الرئيس الأسبق محمد خاتمي نفسه.
ووجه النائب الإصلاحي عن مدينة طهران، مصطفى كواكبيان، انتقادات إلى روحاني بسبب أداء حكومته في الأشهر الثمانية الماضية. وقال مخاطبا روحاني: «هل تعلم اليوم أي شتائم توجه للإصلاحيين في مواقع التواصل الاجتماعي بسبب دعمك؟».
كما وجه النائب محمود صادقي، انتقادات شديدة اللهجة لروحاني، ولسياسته في تقسيم الميزانية الجديدة، واتهم الحكومة بالتسبب في اتساع الشرخ بين طبقات المجتمع وزيادة الفقر، كما طالب بمواجهة الفساد في البرلمان والحكومة والقضاء. واتهمت صحف إصلاحية روحاني بتهميش دور نائبه الأول المحسوب على التيار الإصلاحي إسحاق جهانغيري. وتعمقت الاتهامات لروحاني عقب تقديمه مقترح الميزانية للعام الجديد، الذي أعلن بموجبه رفع أسعار الخدمات الحكومية والضرائب، فضلا عن توجه حكومته لرفع أسعار الوقود، ورفع ميزانية المؤسسات الدينية وقوات «الحرس الثوري».
ودافع خاتمي عن الرئيس بقوة وقال خلال اجتماع لـ»مجمع رجال الدين المناضلين» بمدينة كاشان بأنه «ليس نادما على دعوته للتصويت لصالح روحاني»، مشدداً في الوقت نفسه على استمرار دعمه للرئيس. وقال «نحن لسنا نادمين على التصويت لصالح روحاني فحسب؛ بل نؤكد دعمنا القاطع له، ونعده ناجحاً». وعن أسباب استمرار دعمه روحاني، قال إنه «في الأوضاع الحالية ونظراً للطاقات الموجودة، يجب أن نسعى لإصلاح شؤون البلاد».