اتفاق لخفض التوتر, أو لإنشاء ما يشبه المنطقة الآمنة في أقصى جنوب سوريا، جرى في العاصمة الأردنية عمان بتوافق روسي – أمريكي منذ عدة أيام, يفتح الباب على أسئلة كثيرة أهمها, هل باتت الثورة السورية رهينة للحلول العسكرية الجزئية التي تفرضها القوى الكبيرة المؤثرة في الملف السوري تحت الطاولات وبعيداً عن الرغبة الأممية للمجتمع الدولي, ولماذا تحدد هذه الدول مناطق محددة بعينها فيما تبقى المناطق المحاصرة الأخرى تحت وطأة القصف والتدمير والحصار, كل هذه الأسئلة وغيرها تدور في أذهان السوريين في الداخل والمهجرين في الخارج الذين أصبح همهم حماية أنفسهم من الممارسات غير المنضبطة وغير المسؤولة والتي تمارسها بحقهم تيارات سياسية ومليشيات عسكرية “متمردة” على قوانين بلدانهم بالأصل, كما هو حال اللاجئين السوريين في مخيمات عرسال اللبنانية, لذلك وصل الحد ببعضهم إلى التساؤل عن مدى فرص نجاح تطبيق وقف إطلاق النار وإنشاء منطقة آمنة تضمن عودة سليمة للاجئين السوريين إلى الداخل السوري, كحالة الاتفاق الأخير بين موسكو وواشنظن بإقامة منطقة آمنة في الجنوب.
احتمال تماسك اتفاق الجنوب والتطبيق في مناطق أخرى:
يبدو واضحاً للعيان أنه من حيث المبدأ النظري لوقف الأعمال القتالية في الجنوب السوري, هذا ما يطمح ويصبو إليه الجميع, بعد أن تحدثت عنه روسيا ومصادر دبلوماسية أمريكية وغربية مختلفة, حتى المصادر الأممية أبدت إعجابها بهذا الاتفاق كما هو الحال عند المبعوث الأممي إلى سورية “ستيفان ديمستورا”, والمحصلة النظرية أن هناك تفاؤل بحيث إذا ماتم إنجاح وترسيخ اتفاق وقف إطلاق النار في الجنوب السوري رغم كل ما جرى من اختراقات لوقف الأعمال القتالية من قبل قوات النظام والمليشيات الطائفية المتحالفة معها, بأنه يمكن تعميمها على مناطق تخفيف الصراع الأربعة التي أعلنت عنها روسيا في النسخة قبل الماضية من مؤتمرات أستانة, سواء كانت في الشمال السوري ومحافظة إدلب, وريف حمص الشمالي المحاصر, وغوطة دمشق الشرقية المحاصرة, ويعتبر هذا مطلب الجميع.
حتى هذه اللحظة ما يزال الاتفاق متماسكا إلى حد مقبول, ومايزال هناك إشارات بأن الطرف الذي يخرق الهدنة ويلتف عليها قد يلتزم بالاتفاق رغم المراوغات الإيرانية حول ذلك, هذا ما دفع العديد من المحللين العسكريين للقول بأن الفرصة مازالت قائمة لترسيخ وقف الأعمال القتالية في الجنوب السوري, إذا ما استمرت التفاهمات الأمريكية – الروسية حول هذه النقطة بحيث ينجح الاتفاق من أجل التعميم والبناء عليه في مناطق متوترة أخرى.
دور الأردن في الاتفاق الأخير:
تشير عدة إحصائيات لوجود أكثر من مليون ونصف المليون لاجئ سوري منتشرين في عموم الأراضي الأردنية, وكثيراً ما تحدثت المصادر الدبلوماسية الأردنية عن وجود مصاعب كبيرة تواجهها الحكومة الأردنية في تحمل أعباء ونفقات اللجوء الخاصة باللاجئين السوريين, والمترتبة على كاهل الحكومة الأردنية, ومن ناحية أخرى عبرت قيادة الأردن في أكثر من مرة عن قلقها وتوجسها من اقتراب المليشيات الطائفية المدعومة من قبل إيران من حدودها الشمالية, وأنها لا ترغب بوجود هذه المليشيات غير المنضبطة على حدودها الشمالية تحديداً على الشريط الحدودي الذي يفصلها عن كل من محافظتي درعا والسويداء, لذلك بدا واضحاً أن الغاية الأردنية من كل هذا الاتفاق هو إبعاد “شبح” وجود هذه المليشيات الإيرانية وقوات حزب الله عن حدودها مع سورية إلى مسافة لا تقل عن 30 كيلومتراً إلى داخل العمق السوري, وتمهيداً لوضع حد لمصاعب وأعباء اللاجئين السوريين داخل الأردن, ولتحقيق هذا الشيء يمتلك الأردن أدوات على الأرض وهي الفصائل العسكرية الجنوبية والتي يبلغ عددها حوالي 53 فصيلاً, والأردن لا يعمل بشكل منفصل وذاتي, إنما هو يخطط مع الولايات المتحدة الأمريكية بشكل واضح وعلني, خصوصاً بعد أن تحدث الأردن عن تحويل هذه المنطقة إلى منطقة إدارة ذاتية, وأن الفصائل العسكرية الجنوبية “الموك” قادرة على إدارة هذه المنطقة بشكل فاعل على البعدين الأمني والخدمي, وإدارة معبر نصيب الحدودي.
التحركات المشبوهة لمليشيات إيران في محيط منطقة الهدنة.
تدرك إيران جيداً الأبعاد الخفية لقيام الولايات المتحدة الأمريكية تحت ضغوط إسرائيلية وأردنية بالتوافق مع روسيا لعقد هذا الاتفاق في الجنوب والذي لم يأت للحفاظ على ما تبقى من أرواح المدنيين السوريين الذين لم يكونوا يوماً جزءاً من حسابات الأطراف الفاعلة, فإيران جزء أساسي من الأزمة, لذلك تحاول اليوم إفشال الاتفاق بشتى الوسائل ومنها الإعلامية, حيث أعلنت انها في حل من هكذا نوع من الاتفاقات وغير ملتزمة بها, ولكنها لم تحاول أن تقوم بأي حركة عسكرية تمس من قطعة الأرض الخغرافية التي توافق عليها الروس والأمريكيون بأنها منطقة آمنة في الجنوب, فالحركة العسكرية لمليشيات إيران تجري في منطقة رمادية وهي منطقة هضبة السويداء شمال شرق السويداء حتى الدخول بمنطقة البادية السورية, فهي لديها ورقة قوة في محيط منطقة تخفيف التصعيد, ولكن على ما يبدو أن إيران لا تملك الكثير من الأوراق داخل هذه المنطقة, فضلاً عن إحراج حليفتها روسيا ووضعها في مأزق أما واشنطن, إن هي أقدمت على التحرك باتجاه منطقة تخفيف التصعيد في أقصى الجنوب.
مصير باقي المناطق:
أظهرت الولايات المتحدة الأمريكية جدية حقيقية في إجبار روسيا في الاتفاق على إنشاء منطقة تخفيف توتر في أقصى الجنوب السوري ووقف للأعمال القتالية, لكنها أبقت على موقفها الضبابي من المناطق الأخرى التي تم التوافق عليها بأنها مناطق لخفض التصعيد في أستانة, فيبدو أن المناطق الشمالية هي ستكون متعلقة فعلاً بمقدار التفاهم الروسي التركي, حتى الأجزاء المحاصرة في ريف حمص الشمالي, ولكن ما تحدثت عنه الأنباء الأخيرة عن تحرك أرتال للمليشيات الإيرانية من محافظة درعا باتجاه الشمال نحو محيط دمشق, يفتح الباب عن تساؤلات كثيرة, من أهمها, هل توافقت الأطراف الدولية فعلا على إطلاق يد إيران في الغوطة الشرقية ومحيط دمشق؟
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.