ناقش عدد من السياسيين والخبراء مستقبل النظام الإقليمي في مرحلة ما بعد الأزمات الحالية التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط، وذلك في مؤتمر “منتدى الشرق.. ملتقى إسطنبول 2016” الذي اِلتأم اليومين الماضيين، حيث أبدوا إجماعاً على أن المنطقة ستشهد المزيد من الأزمات في العقد المقبل، وبأن السبيل لكسر دوامة الأزمات يتطلب حلولاً جذريةً، تتخطى المعالجات السطحة، وتصل إلى صياغة “عقد اجتماعي عربي جديد”.
وقد قام بافتتاح أعمال المؤتمر نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، ورئيس منتدى الشرق، المنظم للمؤتمر، وضاح خنفر، يوم السبت، 8 أكتوبر/تشرين أول الجاري، ملقين الضوء على دلالة توقيت طرح قضية الوضع المتدهور بالشرق الأوسط، حيث تواجه المنطقة حلقة من الأزمات التي ستؤثر على النظام الإقليمي، وإلى حد بعيد، على النظام العالمي.
عقد قادم من الأزمات
وشهدت أبرز جلسات المؤتمر مشاركة من كل من إبراهيم قالن، المتحدث باسم الرئاسة التركية، والمنصف المرزوقي، الرئيس التونسي السابق، وأيمن نور، رئيس حزب الغد المصري، حيث أجمعوا على التشكيك في القدرة على رؤية سيناريوهات ما بعد الأزمة، ولفتوا إلى أن المنطقة مقبلة على المزيد من الأزمات في ظل المعطيات الحالية، من استقطاب أيديولوجي ومذهبية واستبداد وتدخلات خارجية، عدا عن الأزمات الاقتصادية وصراع المصالح بين أطراف في المنطقة.
وفي معرض رده على سؤال حول واقعية محاولات بث الأمل للخروج من الأزمات الحالية، قال منصف المرزوقي: “أتفق بأن المنطقة غارقة في أزمات معقدة، وبأن دول المنطقة لا تمتلك قرارها، وبأنها مقبلة على المزيد من الأزمات، إلا أن العديد من النماذج في التاريخ القديم والحديث تشير أن المجتمعات لابد بأن تمر بمرحلة طويلة من الأزمات المتلاحقة والمترابطة قبل أن تتمكن من تجاوزها بشكل كامل غير منقوص”.
يذكر أن نعمان قورتولموش، كان قد أكد في كلمة الافتتاح على أن “أوروبا لن تنجو من موجات الهجرة (من الشرق الأوسط)، طالما استمر الظلم، والجور، والاحتلال، والنزاعات، والحروب بالوكالة، والضغوط في العالم”، وبأن محاولات أوروبا النأي بنفسها عن تبعات كل ذلك، ستؤول إلى الفشل، وبأن مشاكل الإرهاب والهجرة لن تنتهي إلا عن طريق البحث عن “الأسباب الأساسية للمشاكل التي تشهدها المنطقة، والعمل على إزالتها”، ومن خلال ترك المنطقة تجد طريقها نحو الديموقراطية، حيث إن التدخلات الخارجية التي مارستها مؤسسات النظام العالمي “لم تظهر قابلية حل تقريباً لأي مشكلة نشبت عقب الحرب الباردة”.
وسائل تخطي الأزمة
من جانبه، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية بأنه بالرغم من دور القوى الخارجية في رسم ملامح المشهد الحالي في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن “إيجاد الحلول لتلك الأزمات لا يمكن أن يتحقق عبر إلقاء اللوم على الآخرين”، مضيفاً بأن جميع شعوب المنطقة بحاجة إلى قدرة إبداعية جديدة في المجالين الإجتماعي والديني، ووسيلة تفكير حديثة، والشعور بالمسؤولية، واتخاذ خطوات صحيحة وبنّاءة، من أجل الارتقاء بالمجتمع إلى مستويات رفيعة تُشكّل في وقت لاحق قدوة لبقية المجتمعات حول العالم.
واتفق كل من وضاح خنفر وأيمن نور، إلى جانب عدد من المشاركين في المنتدى، على ضرورة تشكيل “عقد اجتماعي عربي جديد”، للخروج من دوامة الأزمات، وإعادة زمام تحديد مصير شعوب المنطقة إليها، يأخذ بالاعتبار ثقافة المنطقة وتركيبتها السكانية.
من جانبه، قال جوزيف باحوط، الباحث في برنامج الشرق الأوسط بمركز “كارنيغي” للدراسات والأبحاث، بأن على القوى الفاعلة في المنطقة تقديم الدعم للمجموعات الصغيرة، ذات التوجهات التحررية والديموقراطية حتى تنمو وتصبح قادرة بعد عقد من الآن على مواجهة التطرف والإقصاء، ونقل دول الشرق الأوسط إلى بر الأمان.
معضلة “الأقليات”
الكاتب والمفكر المصري فهمي هويدي رأى بدوره، “أن مصطلحي “الأقلية” و”الأكثرية” لا وجود لهما في الثقافة الإسلامية”، وذلك خلال إحدى جلسات النقاش التي نظمها المؤتمر، والتي تناولت “إعادة النظر في قضية الأقليات والأكثرية في المنطقة”.
وأضاف هويدي، أن “الأقلية والأكثرية هما مصطلحان تابعان للثقافة الغربية، وأن الثقافة الإسلامية لا تتضمن مثل هذه المفاهيم”، مشيراً إلى أن الإسلام يضمن نفس الحقوق للمسلمين وغير المسلمين، لذلك فإن أوصاف الأقلية والأكثرية تبدو غريبة عن مجتمعاتنا، متسائلاً: “كيف لدول المنطقة أن تصل إلى مفهوم المواطنة في ظل وجود تمييز، واستخدام مسميات كالأكراد والسنة وغير ذلك؟”، قبل أن يجيب: “ما لم يتم خلق حس بالمواطنة فلن نستطيع التجمع على أرضية مشتركة”، لافتاً إلى أن العروبة في الإسلام لا علاقة لها بالبعد العرقي، بل هي عبارة عن بعد لغوي.
الدور التركي
وأبدى منصف المرزوقي تقديراً للدور التركي في “دعم مساعي التحرر والنهوض” في الوطن العربي، وفي مساحة الحرية الواسعة التي تقدمها تركيا، التي أصبحت “ملتقى جميع المثقفين والسياسيين العرب”، معبراً عن أسفه لفقدان الحرية والدعم في الدول العربية.
وكان “قالن” قد قال، في معرض إجابته على سؤال حول ماهية الحل الذي تراه تركيا مناسبًا من أجل إنهاء أزمات المنطقة، بأن جهود بلاده “حثيثة في تقديم المساعدات الإنسانية لدول الجوار والعالم”، مبيناً أن الصومال هي خير دليل على ذلك، حيث “مؤسسات ومعاهد قوية للدولة في الصومال، الأمر الذي أدى إلى تفعيل عمل المؤسسات على الرغم من عدم توفر السلام واستمرار الاشتباكات في المدن الصومالية”.
وناقش المؤتمر في حلقات نقاش مركزة، عدداً من القضايا الحساسة، تتناول صراع الأيديولجيات المختلفة في المنطقة، ودور القوى الخارجية والتأثيرات الاقتصادية والاجتماعية في رسم ملامح المشهد الحالي، علاوة على استدعاء الماضي في مساعي فهم عدد من الأزمات الحاضرة، حيث شارك في النقاش نخبة إعلامية وأكاديمية وسياسية من الدول العربية وتركيا، إلى جانب عدد من الباحثين والأكاديميين الأجانب.
الأناضول