- تحولت أحياء كاملة في باريس إلى مناطق محظورة على النساء نتيجة ارتفاع منسوب التحرش الجنسي، خصوصا في الأحياء التي يكثر فيها المهاجرون من أفريقيا والشرق الأوسط. وتكافح جمعيات مدنية لإيجاد حلول للمشكلة بالتعاون مع عمدة باريس، لكن النساء مازلنا يعانين في مواجهة الظاهرة، التي رفض كثيرون إلصاقها بالمهاجرين فقط.
باريس – منذ إزالة مخيم “الغابة” في كاليه قرب القناة الإنكليزية، انتقلت أجواء صخب المهاجرين إلى ضواحي باريس، وانتقل معها وباء التحرش الجنسي بالنساء في الشوارع.
وتقول كارولين إن المضايقات تحدث دائما وبشكل يومي، إذ “دائما ما تسمع صفير أحدهم لك في الشارع”.
وفي حي “بلاس دو لا شابيل” بباريس، حيث تعيش كارولين، قالت لمراسل صحيفة “الغارديان” إن البعض كان يناديها في الشارع بأسماء مختلفة، ووصل الأمر إلى سؤال رجل “ما بال تنورتك؟”، ولكن بمجرد أن رفعت عينيها لتلـمح الرجل، سارع بالقول “اخفضي عينيك يا وقحة”.
وقالت كارولين “يحدث التحرش بالسيدات في كل مكان”، ولكن يحدث على نطاق أوسع في هذا الحي”.
وعملت مسألة التحرش المهيمنة على شوارع حي “بلاس دو لا شابيل” بشمال باريس المزدحم بالمهاجرين، على تقسيم السكان المحليين في الأسابيع الأخيرة، حتى أن كارولين اضطرت لاستخدام اسم مستعار، بعد أن أهانها الكثيرون وهددوها على وسائل التواصل الاجتماعي.
فمن ناحية، يدعي البعض أن هذه المنطقة الصغيرة من المقاطعة 18، المعروفة باسم “لا شابيل باجول”، أصبحت “منطقة محظورة بالنسبة إلى السيدات”، ومن ناحية أخرى، تقول جماعات حقوق المهاجرين إن هذه الشكاوى الكيدية انطلقت بدافع الكراهية تجاه السكان المهاجرين في المنطقة. ونشبت على إثر هذه القضية خلافات بين الجيران الذين يعيشون في نفس المبنى.
وأطلقت مجموعة صغيرة من السيدات التماسا بعنوان “المرأة مهددة في قلب باريس” بدعم من جمعيتين في الحي وهما “إس أو إس لا شابيل” و”ديمان لا شابيل”، وتم الحصول على ما يقرب من 20 ألف توقيع في أقل من أسبوعين، مما أضفى أثرا كبيرا على بيئة سياسية محتدمة.
وكان من ضمن البنود التي تضمنها الالتماس هو أن السيدات يتعرضن للإهانة بجميع اللغات، كما أن المنطقة تعاني من بعض الممارسات الأخرى مثل تعاطي المخدرات والاتجار بالبشر، والسرقة، وإدمان الكحول. وفي صحيفة “لو باريزيان”، أشار مقال نُشر في نفس اليوم بشكل مباشر إلى “العشرات من المهاجرين” المتحرشين في المنطقة.
مشكلة المهاجرين
أصبح حي “لا شابيل” مستضيفا لعدد كبير من المهاجرين المشردين وكذلك معقلا رئيسيا لبعض الممارسات والاقتصادات غير الرسمية التي تحدث من حولهم. ويرجع ذلك بسبب إنشاء مخيم رسمي للاجئين مؤخرا بالقرب من حدود المدينة، وازدياد أعداد المهاجرين من مخيم “الغابة”، الذي تمت إزالته في كاليه، إلى باريس، فضلا عن الخلفيات التاريخية الخاصة بالوافدين الجدد في هذا الجزء من المدينة. وتكون أغلب هذه المجموعات تقريبا من الرجال.
واستجابت القوى السياسية بسرعة لمطالب ذلك الالتماس. فبعد يوم من تقديمها، احتشد المرشحون المحليون لحزب الجمهوريين اليميني في مظاهرة في ميدان “بلاس دو لا شابيل” للتنديد بالاشغال غير القانوني للمناطق العامة والتحرش في الشوارع.
وفي الوقت نفسه، ظهرت الملصقات على طول الأسوار خارج المباني العامة، وهي تعرض رسالة من سيدات المقاطعة 18 التي تقول “نحن ضد استغلال القضايا النسائية لتحقيق أهداف عنصرية على خلفية الحملة الانتخابية”.
ويقول إريك ليواندر، رئيس المجلس المحلي في الحي، إن التحرش في الشوارع مشكلة، ولكن “تواجد المهاجرين في المنطقة ليست له أي صلة مباشرة بقضية تواجد السيدات في الأماكن العامة. لا أريد استغلال التغطية الإعلامية للحي لتشويه سمعة السكان”.
وأجريت المرحلة الأولى للإنتخابات البرلمانية في فرنسا الأحد، ومن المقرر أن تجرى المرحلة الثانية يوم 18 يونيو الجاري.
ومع انضمام بعض الأحزاب الجديدة، بما في ذلك حزب الرئيس الجديد إيمانويل ماكرون “لا ريبوبليك إن مارش” الذي تمكن من حصد 32 بالمئة من المقاعد في المرحلة الاولى من الإنتخابات، شهد المجال العام انفتاحا لم تره فرنسا على مدار أجيال عدة.
ويقول لويك غوزمان، القائم بأعمال رئيس جمعية “ديمان لا شابيل” المحلية “لقد رأينا الكثير من الإصلاحات السياسية لتلك القضية؛ من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين”.
ويقول غوزمان إنه تولى رئاسة الجمعية بعد أن غادرت الرئيسة السابقة مع طفليها لأنها شعرت بعدم الأمان. وحرص غوزمان أيضا على التأكيد على أن مشكلة التحرش في الشوارع لا تتعلق بالضرورة بالمهاجرين “هذه مجرد قضية تحرش بالسيدات في الشوارع، وليست لها علاقة بالمهاجرين”.
أحياء تخلق الجريمة
ولكنه أوضح أن المشاكل بدأت عندما تم إنشاء مخيم غير رسمي للمهاجرين تحت خطوط السكك الحديدية في محطة “لا شابيل”، وظهرت الممارسات الإجرامية كنتيجة لذلك لتلبية احتياجاتهم. ويقول إن هؤلاء الرجال الذين يبيعون بطاقات الهاتف، والسجائر المهربة، والأوراق المزيفة والأدوية هم القضية الرئيسية.
وعندما سُئل عن الحل، قال “إنفاذ القانون بالنسبة إلى البعض، وبالنسبة إلى البعض الآخر يأتي الحل في صورة التعليم ومشاركة القيم، لكي يصبحوا قادرين على التكيف مع الحياة في فرنسا”.
وترى كارولين نفس الشيء، إذ تصر على أن المشكلة ليست في المهاجرين، وتقول إنه أُسيء تفسير صورة الالتماس الأولية من قبل جميع الأطراف.
وأكدت “حاولت مناقشة القضية مع الناس، ولكن أعتقد أن مصالحنا مختلفة هنا. انا مهتمة بالدفاع عن المرأة بينما يهتم الآخرون بتحقيق مصالح أخرى”.
وبعد أن تم تقديم الالتماس، نشرت عمدة باريس آن هيدالغو تغريدة تفيد بأنها كانت على بينة بهذه القضية، وكانت تعتزم اتخاذ اللازم لحلها، إذ قامت بتعزيز وجود الشرطة بشكل كبير في ساحة “بلاس دو لا شابيل” من أجل إرضاء السكان.
ولكن على العكس، مازالت سيدات يشعرن أن زيادة وجود الشرطة لا تزيد الأمر إلا سوءا. وتقول آنا لويز ميلن، التي تعيش في المنطقة منذ عشرين عاما، إن ذلك النوع من الاستجابة يزيد من التوترات. وأضافت “بالطبع أريد أن أجلس مع أطفالي في الشارع، ولكن هل أريد فعل ذلك في وجود الشرطة؟ بالطبع لا”.
اختلاط الأوراق
وتدرس ميلن في فرع جامعة لندن بباريس، وتبحث في قضية اللاجئين هناك. وتعمل كل صباح على توزيع وجبة الإفطار على المهاجرين الذين يعيشون في الشوارع في “لا شابيل” تحقيقا لفكرة “التضامن مع الجيران”.
وفي ما يتعلق بمسألة التحرش في شوارع باريس، تقول “إنه تصرف مهين ومروع، ولكنه ليست له علاقة بالشباب القُصّر الذين يعيشون هنا في الشارع. بالتأكيد لن يصدر هذا الفعل عن تلك الفئة المهاجرة التي تعاني من ظروف معيشية غير مستقرة”.
وتقول أيضا إنه لا يمكن لبريطانيا ببساطة أن تتجاهل قضية هؤلاء المهاجرين، حيث أن العديد من الرجال الموجودين في باريس فروا من إزالة مخيم كاليه.
وأضافت “كاليه موجود في باريس، وهذه مشكلة مشتركة بين فرنسا وبريطانيا. هناك جدل يدور حول أن قضية انتشار التحرش في شوارع العاصمة الفرنسية تشمل الآن نطاقا أوسع، وأنها تحدث خصيصا في المنطقة محور النقاش. أنا أعيش في المقاطعة 18، وتعرضت للمضايقات والتحرش خمس مرات خلال الإبلاغ عن هذه القصة. حدث ذلك أحيانا داخل منطقة ’لا شابيل – باجول’، وأحيانا خارجها. لا تشعر أطراف القضية بالارتياح. من ناحية، لا يريد أحد أن يقلل من شأن قضايا التحرش بالمرأة، ومن ناحية أخرى لا يريد أحد أن يُتهم بالعنصرية عندما يتم تسليط الضوء على المهاجرين”.
ومع ذلك، يشعر البعض بأن القضية الأساسية، وهي قضية “سلامة المرأة”، قد فقدت قيمتها. وتقول كارولين “الأمر الآن مختلط جدا. يبدو أن هناك الكثير من القضايا المطروحة التي غطت على القضية الأساسية”.
العرب