أيام قليلة مضت على بدء سريان الاتفاق الذي تم إبرامه في “أستانة4” برعاية الروس والأتراك, والذي نصت مذكرته على إنشاء مناطق “خفض التوتر” أو المناطق الهادئة في تسمية جديدة اعتمدتها روسيا, ولم يسمع العالم بهذا المصطلح الجديد إلا في الثورة السورية التي أسقطت العديد من الأقنعة وعرت الكثير من المواقف الخلبية, والجديد وليس الأخير هو فاجعة من العيار الثقيل تلقاها السوريون برعاية روسيا لموجة تهجير جديدة للسكان والعوائل من محيط العاصمة دمشق في كل من أحياء برزة والقابون, حيث كثف النظام من عملياته العسكرية فور دخول الاتفاق الأخير حيز التنفيذ في ظل تأييد روسي ماكر ومستفز لهذه الخطوة ضاربين عرض الحائط بمذكرة الإتفاق التي لم يحارموها يوماً..
السجن الكبير:
لقد اعتاد السوريون عقب كل مؤتمر فاشل وماكر تصنعه روسيا في العاصمة الكازخستانية “أستانة” لتلتف على القرارات الدولية محاولة تبديل مرجعية جينيف بمرجعية ظالمة للحل في أستانة على صدمة جديدة تزيد من خنق الثورة وتكشف النوايا الخبيثة لروسيا بسعيها الدائم للخداع والمراوغة, فبعد تهجير سكان الوعر ومناطق وادي بردى ومضايا والزبداني عقب الإتفاق الذي فرضته روسيا في أستانة 1 يستعد السكان فيما تبقى من الأحياء الدمشقية الثائرة لحزم حقائبهم والتوجه نحو الشمال السوري إلى محافظة إدلب تحديداً التي تتحول شيئاً فشيئاً إلى سجن كبير لمعارضي النظام السوري, ويبدو أن روسيا تدرك أبعاد الخطة التي يسعى إليها النظام في حشر معارضيه في رقعة ضيقة, هذا إن لم نقل أن روسيا من خططت لهذه الجريمة المنصوص عليها في القانون الدولي وطبقها النظام بدقة ألا وهي جريمة التهجير القسري للسكان من مناطقهم بغرض التغيير الديمغرافي للبنية السكانية..
مناطق آمنة للبعض, ومثير للقلق عند الآخرين:
رغم قيام وزارة الدفاع الروسية بعرض خارطة المناطق المشمولة باتفاق “خفض التوتر” والتي ظهرت على شكل جزر معزولة متفاوتة الأحجام, يقوم النظام باختراق الهدنة ويصعد التوتر في بعضها وبشكل علني, بل وصل الأمر به إلى شن هجوم بري واسع مدعوم بغطاء جوي من قبل روسيا تحديداً وبمشاركة المليشيات الطائفية التابعة لإيران بشكل مباشر كما حدث في قرية الزلاقيات في ريف حماة الشمالي حيث سيطر عليها النظام بمساندة روسية, واستمر في قصف القرى المتاخمة لها والواقعة في نفس المنطقة كمدينتا اللطامنة وكفرزيتا, أما في الجنوب تكرر الهجوم بشكل مشابه لذاك الذي حدث في ريف حماة عندما أطلق النظام حملته العسكرية ضد حي القابون الدمشقي..
حتى الآن لم يتم تسجيل أي خروقات من قبل فصائل المعارضة السورية المسلحة التي ردت على هجوم قوات النظام وليس خروقاته, وهنا بيت القصيد, حيث يتم تكبيل المعارضة السورية بمثل هكذا تفاقات تعي روسيا وإيران مدى جدواها جيداً, فمعادلة الإتفاقات التي تصنعها روسيا في أستانة بعيداً عن الرغبة الدولية والأمريكية خصوصاً هي معادلة غير متوازنة بين الطرفين, فالروس يأخذون بعين الاعتبار مصلحتهم وخلافئهم على حساب مصالح الثوار الذين ينبغي عليهم تقديم التنازلات مع غياب أي دور للدول الداعمة لقضيتهم..
هذا ما دعا الكثير من المحللين السياسين لاعتبار هذه المناطق “الهادئة” هي مناطق آمنة للنظام السوري في مناطق نفوذه عن طريق تكبيل الثوار بهكذا نوع من اتفاقيات لن تقيهم مكر الروس والنظام وهذا ما يحدث على الأرض, فاللعبة الروسية تجد طريقها بنجاح ويتم قضم الأراضي المحررة عقب كل مؤتمر يرسم تفاصيله الروس في أستانة..
المركز الصحفي السور- حازم الحلبي.