يؤكد وزير خارجية روسيا، المعروف بحدبه الشديد على الشعب السوري، أن “القرار يجب أن يكون للسوريين وحدهم في كل ما يتصل بمستقبل وطنهم ومصير بشار الأسد”. بهذا التوجه الحريص على سيادة الشعب السوري، واستقلال قراره، يقاوم سيرغي لافروف، بشراسة، التدخلات الأجنبية في شؤونه، وانطلاقاً من موقفه هذا لا يرى في احتلال جيش بلاده سورية تدخلاً أجنبياً، ويعتبره عملاً شريفاً يعزز حقوقها واستقلال إرادتها. وإذا تخلله قصف جوي مكثف للمعمور من أرجائها، المدنية منها بصورة خاصة، يقتل خلاله عدد كبير من بناتها وأبنائها، وتدمر مدنها وقراها، فهل هكذا يحمى حق السوريين في تقرير مستقبلهم، ومصير بشار الأسد، وينالون حريتهم؟.
في تصريح لا يحتمل تفسيرات متناقضة، يدعو لافروف إلى ترك السوريين يقرّرون وحدهم مستقبلهم، ومصير بشار الأسد ونظامه. ولا يتساءل سعادته عن مدى توافق تصريحه مع سياسات دولته السورية، وما إذا كان تدمير الجيش الحر يتفق واحترام حق السوريين “وحدهم” في تقرير مصيرهم، أو يفرض عليهم الأسد، على الرغم من تعارضه مع رغباتهم وحريتهم.
إذا كان لافروف لا يرى تعارضاً بين سياسات بلاده وحق السوريين في تقرير مصيرهم وحدهم، فذلك لأسبابٍ، منها اعتقاده أن الجيش الروسي ليس أجنبيا بل سوري، وأن ما يقوم به جزء من حقهم في تقرير أمورهم، لا يتعارض مع إرادتهم الوطنية، وكيف له أن يتعارض إذا كان هدفه القضاء على الإرهاب، عدوهم اللدود الذي نجح في التسلل إلى صفوفهم، وتوطن في نفوسهم، ولو لم تساعدهم طائرات روسيا على إخراجه من قلوبهم وعقولهم، لكان فتك بهم أفظع الفتك.
بمنطقه هذا، يمون لافروف على سورية، ويعتبر نفسه سورياً، له حق النطق نيابة عن بني قومه، ولا ضير عليه إن منح عسكر بلاده الجنسية السورية، واعتبر سورية جزءاً من روسيا، وجيشها فصيلاً من الجيش الروسي.
لا يغير من هذه الحقيقة أنه يساعد الأسد على التخلص منهم، ويمكنه من قتلهم جماعات وفرادى، ويزوده بكل ما هو ضروري لهدم بيوتهم على رؤوس أطفالهم ونسائهم. طبيعي أن الروس فعلوا ذلك لأن “أسدهم” رئيس شرعي، انتخبه الشعب السوري، في تعبير صريح عن حقه في تقرير مصيره، فإذا كان هناك من يشك بذلك، أو من يفهمه بصورة خاطىة، فما ذلك إلا لأنه عميل سعودي/ قطري/ تركي وإرهابي.
يستحيل فهم هذا المنطق الذي يبدو أنه يوجه خطى الكرملين بمعايير عقلانية وشرعية. لذلك، فعل المستحيل لإبقاء الأسد بالقوة في السلطة، من دون أن يتخلى عن أكذوبة “عدم التدخل في شوون السوريين”، أو يتوقف عن تذكير العالم بحتمية تولي السوريين حل مشكلاتهم بأيديهم، من دون تدخل طرف خارجي.
يصدر هذا الموقف الغريب عن دولة عظمى، تخوض حرباً ضد شعبٍ، تريد له ممارسة حقه في تقرير مصيره، على أن تكون نتيجة قراره رضوخه من جديد لحكم الأسد ونظامه الاستبدادي والفاسد، وإلا رفضت موسكو قراره وقصفه طيرانها وأسطولها البحري، إلى أن يقبل ما قررته هي له: الأسد رئيساً أبدياً، ونظامه خياراً وحيداً.
ما ذنب لافروف، إذا كنا، طرفاً معارضاً، نرفض السخاء الروسي، وما تمليه عليه القوة العسكرية؟ وفي المقابل، ما ذنب السوريين إذا كان لافروف لا يحترم كلامه حول حقهم في أن يقرّروا وحدهم مصير بشار الأسد؟.
وفي النهاية، هل كان الشعب السوري مخطئاً، لأنه يرفض أن يرى في جيشها الذي يحتل بلاده بالقوة غير احتلال أجنبي واجب المقاومة، ليس من حقه أن يقرّر نيابة عنه مصير بلاده، وأن يقصفه ليبدل موازين القوى بينه وبين النظام، ويرغمه على قبول من ضحّى بمئات الآلاف من بناته وأبنائه كي يتخلص منه: بشار الأسد ونظامه من
جهة، بينما يبيعه كلاماً فارغاً عن حقه في تقرير مصيره بحرية من جهة أخرى.
يرفض الروس القرار السوري المستقل، بحجة الحفاظ عليه، ومنع غيرهم من التدخل فيه. صدق من قال: اللي استحوا ماتوا.
ميشيل كيلو ـ العربي الجديد