توارث السوريون قيما وعادات وتقاليد من أجدادهم ارتبطت بحياتهم الاجتماعية في كافة محافلها سواء في الأفراح أو الأتراح، في الأعياد وغيرها من المناسبات، وجو الأسرة له قدسية وبصمة تمتاز بروح الألفة والمحبة، إلا أنهم لم يسلموا من تبعيات الحرب، فأثرت بشكل سلبي على العلاقات الاجتماعية وساهمت بتفكيك الأسرة وتقطيع أوصالها، فما بين النزوح واللجوء، القصف وانعدام الأمان نشأت منعكسات قد تكون خطيرة على واقع المجتمع السوري.
ونظرا للأوضاع المعيشية المتدنية والتكاليف الباهظة التي تتطلبها رحلة اللجوء إلى الدول الأوروبية، عمد كثير منهم على تأمين المبلغ الذي سيعطى للمهرب أو بالأحرى “لتجار البشر”، ولجوء فرد واحد من العائلة كالزوج أو الزوجة أو ربما أحد الأبناء على أمل “لم الشمل” عن طريق السفارة وهذا الأمر لا يحتاج لتكاليف إنما على نفقة الدولة المستضيفة، ومن هنا وبالرغم من ذلك الأمل تدهورت أوضاع آلاف الأسر وفقدت روابطها وقيمها التي من المفروض أن تعيش عليها.
أم إسماعيل من مدينة ادلب تخبرنا قصتها وملامح وجهها تسبقها بالشرح:” سافر زوجي منذ أكثر من عام إلى ألمانيا بعد أن باع المنزل واستأجر لنا منزلا صغيرا ريثما تنتهي إجراءات لم الشمل، لم أكن أعتقد أن غيابه سيتعبني لهذه الدرجة، ومن شدة الضغط والمعاناة النفسية التي يعيشها أولادي بات كل منهم يعيش حياة خاصة وكل له متطلباته وإن لم أنفذها أقع في مشكلة لا يمكنني تجاوزها، وبالأخص لابني البكر (13) عاما، فهو يهددني كل مرة أنه سيلتحق مع الثوار، تعبت كثيرا ولا أمل قريب بلم الشمل”.
ليست الهجرة خارج البلاد وحدها من ساهمت بضياع العلاقات الاجتماعية، فهناك حالات أخرى وتعتبر كارثية وبالأخص في المدن المحاصرة، عامر من مدينة حلب المحررة يروي لنا معاناته :” أعمل سائق شاحنة، وأنقل البضائع من وإلى المناطق المحررة وتركيا، وقبل عدة أيام من حصار الأحياء الشرقية، كنت أنقل حمولة وصعقت عند سماعي أن النظام أحكم حصاره على المنطقة، وزوجتي وأولادي هناك، لا أعلم ماذا أفعل ليتني كنت معهم محاصرا في هذه الظروف الصعبة، فأولادي كل يوم يحرقون قلبي عندما يسألونني (لم أنت لست معنا )”.
غياب الأب أو الأم عن العائلة يخلق شرخا كبيرا ويؤدي لتفككها في ظل الأوضاع المأسوية التي تواجه كل سوري داخل أو خارج سوريا، حتى الزيارات والعلاقات الاجتماعية انحسرت بنسبة 90% عما كانت عليه وبالأخص في المناطق المحررة لما تجابه من معاناة مضاعفة بسبب الطيران الذي لا يفارق سماءها، فغدت مواقع التواصل الاجتماعي كافية وبديلة عنها فقط للاطمئنان بعد كل غارة.
ونظرا لكثرة الحواجز بين مناطق النظام والمعارضة، يضطر السائقين أن يمكثوا أياما في مناطق متفرقة بحكم عملهم ما ساهم أيضا بابتعاد الأب والمعيل عن نظر عائلته، فضلا عن حركة النزوح التي طالت عدة مناطق فأصبح كل عائلة بمنطقة مختلفة، وبذلك فإن العلاقات الاجتماعية التي ربما تقوي الروابط الأسرية كزيارة بيت الجد يوم الجمعة وزيارات الأقارب في أيام العطل باتت عادات مدفونة ويسمع بها أطفال هذا الجيل فقد من روايات ذكرياتنا، لتكون العلاقات مقتصرة على العالم الافتراضي الذي يشوبه المآسي والهموم.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد