عنب بلدي – أسامة العبود
سجال متواصل بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا حول حقيقة الاستهداف بالغاز، الذي شهدته مدينة حلب في 24 من تشرين الثاني الماضي.
نفت الولايات المتحدة الأمريكية على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية، روبرت بالادينو، مسؤولية المعارضة السورية وما توصف بالجماعات “المتطرفة” عن الهجوم بقذائف محملة بغاز الكلور على شمال غربي مدينة حلب، والذي اعتبرته الولايات المتحدة “زائفًا”، استنادًا إلى ما قالت إنها “معلومات موثوقة” سبق أن وصلتها.
وأضاف المتحدث، في بيان نشرته الخارجية في 7 من كانون الأول الحالي، أن المعلومات الأمريكية تؤكد مسؤولية أفراد روس وسوريين متطوعين بهجوم الغازات على مدينة حلب، وعلى أن الغاز المستخدم بالهجوم هو “غاز مسيل للدموع”.
وسرعان ما ردت وزارة الدفاع الروسية على التصريحات الأمريكية، نافية مسؤولية أفراد روس وسوريين بتنفيذ هجوم الغاز، وواصفة التصريح الأمريكي “بالهستيري”.
وقالت الدفاع الروسية إن “التصريحات الأمريكية تأتي في محاولة لتبرئة الإرهابيين الموجودين في إدلب والخوذ البيضاء”
وكان النظام السوري اتهم ما يطلق عليها “المجموعات الإرهابية” في ريف حلب باستهداف الأحياء السكنية بقذائف صاروخية متفجرة “تحوي غازات سامة”، ما أدى إلى اختناق 107 حالات من المدنيين، وذلك في 24 من تشرين الثاني الماضي.
وسبق أن حذرت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) روسيا من التلاعب بموقع الهجوم الكيماوي المزعوم على مدينة حلب، الخاضعة لسيطرة النظام السوري.
ونقلت وكالة “نيويورك تايمز” عن المتحدث باسم البنتاغون، شون روبرتسون، الثلاثاء 27 من تشرين الثاني، قوله إن نظام الأسد قد يلجأ إلى التلاعب بموقع الهجوم من أجل بناء رواية يبرر بها الهجوم العسكري على إدلب.
تناقضات الرواية الروسية.. “الهجوم من الشمال والرد في الجنوب”
بعد أقل من 24 ساعة على الاستهداف المزعوم في حلب وتوجيه أصابع الاتهام للمعارضة، أعلنت روسيا عن قضائها على المجموعات التي استهدفت المنطقة بالقذائف المحملة بـ”الغازات السامة”.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إنه استنادًا إلى المعلومات الاستخباراتية أغارت طائراتها على المواقع التي انطلقت منها تلك القذائف بعد تحديدها، فضلًا عن رصد دلائل على تحضير المسلحين لتكرار الهجوم الكيماوي انطلاقًا من إدلب.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن “المعلومات كشفت استخدام مدفع هاون من عيار 120 ميلمترًا، لإطلاق القذائف التي تحوي على غاز الكلور، وذلك من الضواحي الجنوبية الشرقية لقرية البريكات”.
وكالة الأنباء المصورة الروسية “رابتلي” نشرت في 25 من تشرين الثاني، وهو اليوم التالي للهجوم على حلب، تسجيلًا مصورًا للحظة استهداف طائرة روسية من طراز “سوخوي-24” لما قالت إنها منصات إطلاق القذائف التي استهدفت مدينة حلب.
وسبق أن أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن القصف جاء من ضواحي قرية البريكات، لكن الوكالة الروسية قالت إن قصف منصات إطلاق القذائف التي تحوي غاز الكلور، جرى على بعد أربعة كيلو مترات شمال بلدة خان طومان في ريف حلب الجنوبي.
وبذلك تتطابق معلومات الموقع الذي حددته الوكالة الروسية مع تحليل المشاهد في التسجيل المصور لحظة تنفيذ الطائرة الروسية غارة على أهدافها (منصات إطلاق قذائف الهاون)، مع التضاريس في موقع الخرائط جوجل.
ونشر المغرد “SAMIR”، المختص بتحليل الصور والخرائط عبر الأقمار الصناعية، في تغريدة عبر حسابه في “تويتر” إحداثيات الموقع المستهدف شمالي بلدة خان طومان، والذي يقع ضمن المنطقة المنزوعة السلاح، كما أن الموقع يقع على مسافة أمتار قليلة من مناطق سيطرة النظام والميليشيات الموالية له.
استحالة القصف باستخدام “الهاون”
عبد الدايم بكور، ضابط منشق برتبة رائد من مرتبات كلية الدبابات بحمص ويوجد حاليًا في ريف حلب الغربي، قال لعنب بلدي إن طبيعة المنطقة التي استهدفتها الطائرة الروسية شمال بلدة خان طومان، تعد مكشوفة ومنطقة توتر خلال الأيام الماضية، في ظل عمليات تسلل من قبل قوات النظام والتي يقابلها عمليات قنص.
وعلاوة على استحالة وصول القذيفة من شمال خان طومان إلى أحياء الخالدية وشارع النيل في الشمال الشرقي من مدينة حلب، فإن الطبيعة الجغرافية المنبسطة تجعل من كشف مصدر إطلاق القذائف سهلًا جدًا وخاصة ليلًا، ولا يوجد مبرر لاستخدام تلك النقطة في عملية قصف على هدف.
وأكد الرائد بكور أن مدفع الهاون من عيار 120 ميلمترًا يصل مداه إلى 7.5 كيلومتر، كما قد يصل إلى مدى 9 كيلومترات إن طرأت عليه تعديلات، وهذا مداه الأقصى.
فصائل المعارضة تنفي
من جانبها، نفت فصائل المعارضة الاتهامات الموجهة لها، وقال الناطق الرسمي باسم الجبهة الوطنية للتحرير (النقيب ناجي مصطفى)، إن الفصائل لم تقصف أحياء مدينة حلب بأي نوع من القذائف وخاصة تلك التي تحوي “غاز الكلور”، مضيفًا أن هذه الغازات “لا يمتلكها ولا يستخدمها في سوريا إلا نظام الأسد وعصابته، وبتوثيق وإثبات المنظمات الدولية”.
وأكد مصطفى في بيان نُشر على معرفات “الجبهة الوطنية للتحرير”، أن “هذه الافتراءات المكشوفة من قبل النظام، تأتي للتغطية على جرائمه التي يرتكبها بحق الشعب السوري، وكان آخرها مجزرة جرجناز في ريف إدلب، التي راح ضحيتها تسعة أطفال وامرأتين”، بحسب البيان.
ونفت أيضًا “هيئة تحرير الشام” عبر الناطق العسكري باسمها، “أبو خالد“، وهو الذي كان قد ظهر خلال تسجيل مصور برفقة الصحفي الأمريكي بلال عبد الكريم في منطقة العيس جنوبي حلب، في 30 من تشرين الثاني.
وقال المتحدث باسم “جبهة تحرير الشام” إن “الهيئة” رصدت قيام قوات النظام بإطلاق قذائف من بلدتي نبل والزهراء شمالي حلب على حي الخالدية في الجهة الشمالية الغربية من المدينة.
وتروج روسيا بشكل دائم لمزاعم تقول فيها إن فصائل المعارضة تنوي تنفيذ هجوم كيماوي في مناطق متفرقة في إدلب وريفها، وتقول إنها رصدت حمولات بالغازات السامة في محافظة إدلب شمالي غرب سوريا.
وسبق أن تعاملت روسيا بطريقة مختلفة تمامًا عقب قصف غاز الكلور على مدينة دوما بريف دمشق في 7 من نيسان الماضي، ورغم تأكيد منظمات طبية ومدنية منها “سامز” و”الدفاع المدني” أن أعراض الغاز المستخدم تشير إلى حالات اختناق بغاز الكلور، عطلت موسكو دخول اللجنة الدولية للتحقيق في الحادثة.
وزارت القوات الروسية المنطقة المستهدفة بالكيماوي، بعد اتفاق وقع بسرعة مع فصيل “جيش الإسلام” إثر الهجوم، وعرقلت دخول لجنة المفتشين الدوليين، بذريعة ضرورة حل قضايا أمنية في دوما قبل بدء الخبراء بمهامهم، لتنفجر حينها سيارتان مفخختان على بعد كيلومتر واحد من مكان الاستهداف.
عنب بلدي – أسامة العبود