لم أجد أسوأ من الإعلام السوري حتى الآن، ويتساوى هذا السوء الفاحش مع الإعلام الإيراني، الذي يعيش الآن ورطته الحقيقية، جراء ما حدث قبيل أيام من ثورة في إقليم كردستان الإيراني، إذ عمت مظاهرات عارمة تخللتها اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن، إثر انتحار الكردية «فريناز خسرواني»؛ هرباً من الاغتصاب، من أحد رجال الحرس الثوري الإيراني، وعلى رغم محاولة الإعلام الإيراني التعتيم الإجباري عما يحدث من متظاهرات من أهالي كردستان، الذين يلقون ظلماً كبيراً على مدى التاريخ، سواءً في إيران أم في غيرها، إلا أن جميع المجتمعات العربية كانت متعاطفة مع هذه الثورة وهذا الاشتعال الحانق؛ لإدراكها مدى فداحة الظلم الواقع على أصحاب المذهب السني من الحكومة الإيرانية، حتى تساءل بعضهم: هل يمكن أن تكون هذه الثورة أقرب إلى ثورة البوعزيزي في تونس، والتي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي في عام 2010.
وبعد ظهور الإعلامية التونسية كوثر البشراوي، على شاشة التلفزيون السوري، وهي التي خرجت من وطن ثار لأشهر من أجل صفعة، تقبل حذاء جندي سوري، في مشهد يدل على مدى الذل والجوع العربي الأخلاقي، أحياناً، إذ لم أرَ طوال حياتي إعلامياً أو مفكراً، يقرر أن يقبّل حذاء جندي ياباني أو فيتنامي، لكن بعض العرب يتشوق للإذلال والتيه والغرق، للشعور بالذلة والمهانة الشخصية، يفعل ذلك المحبون والعاشقون، حينما يصل الحب مداه للسماء، حينما لا يجد لنفسه مكاناً فوق الأرض، فيتتبع خطى معشوقته، فيقبل ذا الجدار وذا الجدار، وعلى رغم عشق العرب على نظم الشعر، فلم نقرأ حتى الآن لشاعر يصف لنا كيف أمكنه تقبيل حذاء محبوبته، ربما لأن القدم عند العرب لها دلائل عظيمة، إذ لا يمكن لأي منا أن يضع قدمه في مواجهة الآخر، إلا حينما نريد إذلاله.
وزادني بؤساً وأنا أرى الشابة سارة نخلة، والتي تم انتخابها كملكة جمال سورية، في حين أن وطنها لا يزال غارقاً في حربٍ مُضنية، وهلاك مدمر، الوطن الذي لم يعرف خاصية الحصول على بطاقة الصراف الآلي إلا منذ بضعة أعوام، الوطن الذي يتلذذ منذ حكم بيت الأسد، بذبح وهتك أعراض المعارضين، واحداً تلو الآخر، من دون رحمة ومن دون جزع، الوطن الذي يفوق فيه عدد «المخابراتية» أكثر من المواطنين الذين يعملون في القطاعات الحكومية، يقوم على ترشيح ملكة جمال، ويوعز لها بالظهور من دون احترام لشعبها الجريح، الذي يفر من أرض إلى أرض، ومن حفرة إلى مقبرة.
ظهور ملكة جمال سورية في الوقت الراهن، عززه الكثيرون أنه جاء لأسباب وأغراض سياسية من نظام الأسد الفاسد، إذ ظهرت نخلة المقيمة في القاهرة -أخيراً- في مقابلة مع تلفزيون مصري، صرّحت فيه للمشاهدين أن «بشار الأسد طبيب عيون ولا يمكن أن يؤذي نملة»، لكنه يسحق شعبه، هذه الجملة فاتت على ملكة الجمال أن تقولها للمشاهدين، ولم تستحق سوى أن تكون مادة لسخرية الكثير من المتابعين عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ لأن الملكة لم تحظَ بنصيب «الأسد» من الجمال الباهر، الذي تتميز به مواطناتها السوريات.
ما تقوم به البشراوي ونخلة عبر الإعلام المسيس، ليس إلا جزءاً من حماقة بعض رؤساء العرب، الذين يشترون حياة شعوبهم، لمجرد إرضاء غرائزهم السلطوية، وفي النهاية، لا الأسد ولا الحكومة الإيرانية تريد لشعوبها الحرية والحياة الطبيعية الاعتيادية، إنما تريد منهم أن يقوموا بتقبيل أحذيتهم، لكي يحظوا بالبقاء الأزلي، ولا يهم إذا الشعب ما نام على سرير أو على تراب، الأهم هي السلطة وكفى.
دعونا نستغرق في قراءة الحزن، وقراءة غباء ملكة الجمال التي تؤكد للمشاهد العربي، كون الأسد طبيب عيون فلا يمكن لهُ أن يؤذي نملة، ولكن لو كان جراح قلب أو عظام فله أن يهتك أبناء شعبه.
سارة مطر – الحياة