الكارثة المطبقة على السوريين سوف تستمر حتى يقتنع دي ميستورا أن النظام هو المشكلة الأساسية وليس جزءا من الحل.
قد تكون عبارة الحل السياسي هي أكثر ما يتم الحديث عنه سواء في الأوساط السياسية السورية على اختلاف مشاربها، أو في أروقة الدبلوماسية الدولية، وقد امتدت هذه العدوى اللفظية لتصل الأوساط الشعبية التي باتت تنتظر “الخلاص” الذي قد يجلبه الحل الموعود والذي لم يتم تقديم تصور له حتى الآن، لا من قبل النظام ولا من قبل المعارضة.
هذا الفشل ينسحب على من يمكن تسميتهم بالراعين أو المشرفين على المؤتمرين اللذين عقدا في جنيف، وقد كانت مبادئ جنيف 1 مرضية وقتها، وطالبت المعارضة بالعمل بها لكن النظام ماطل ثم عاد لاحقا، ليطالب بالعمل بتلك المبادئ، ثم نتج اللقاء الذي عقد مؤخرا في موسكو، والذي انتظرت عواصم كثيرة ما سيسفر عنه دون أن تكون متفائلة نظرا للمقدمات التي سبقته والتي أعلنتها موسكو برفضها لفكرة تنحي الأسد.
وفق ذلك، فإن البحث عن حل سياسي بات أمرا مربكا والأجدى هو البحث عن مقدمات سليمة للوصول إلى هذا الحل، وهو ما افترض المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا أنه منوط بالوصول إليه فتعددت زياراته ومقترحاته، بل تشعبت أفكاره إلى درجة دفعته لاعتبار الأسد جزءا من الحل وهو ما أثار حفيظة المعارضة التي اعتبرت أن المبعوث الأممي لا يدرك تعقيدات الوضع، ولا ينظر إلى الأسد بوصفه مسؤولا عن كل ما يحدث.
المبعوث الأممي طرح مؤخرا مبادرة لوقف القتال في حلب وقد ووجهت مبادرته بالرفض من الفصائل الموجودة على الأرض، والتي تساءلت لماذا حلب؟ وبينما حاول دي ميستورا توضيح أن خطته بداية لاتفاق قد يشمل باقي المناطق السورية، فإن النظام الذي أنكر قيامه بقصف حلب سارع إلى القبول بهذه المبادرة في ضوء الخسائر التي منيت بها قواته والميلشيات المقاتلة معها في الشمال السوري، فوجد أن هذه المبادرة بمثابة طوق النجاة الذي سيمكنه من رصّ صفوفه استعدادا للعودة التي حدد المبعوث الأممي مهلة لها ستة أسابيع.
دي ميستورا اكتفى بوصف الحالة بالحرب الأهلية، ملحقا هذا الوصف بما يعانيه الشعب السوري من صعوبات ومن تهجير، وهو محق في الشق الثاني من تشخيصه ولذلك فإنه قد يكون قادرا على الوصول إلى مقترحات تكون كفيلة بإنهاء المأساة، لكنه سيصطدم بالشق الأول من تشخيصه لأنه يتعامل مع النظام بوصفه نظاما شرعيا، وهذا ينافي تاريخ الحدث السوري الذي مرت عليه أربع سنوات ثقيلة، فإذا كان المطلوب من دي ميستورا جلب الأطراف المتحاربة للجلوس إلى طاولة مفاوضات وهو ما تفضي إليه الحروب عادة، فإن هذا لا يصح إطلاقا أمام هذا التعدد غير المسبوق في الجبهات والولاءات والاختلاف في الرؤى والتوجه لا بين أطراف المعارضة فقط، بل في ضفة النظام وحلفائه أيضا، فبينما لا يتوقف حزب الله اللبناني، الشريك الأساسي لنظام الأسد، عن تكرار أنه يقاتل في سوريا للدفاع عن المقدسات الشيعية، وهو ما تردده بعض الميليشيات العراقية أيضا، فإن هدف إيران يبدو مختلفا كليا وإن كانت توافق على ما يقوله نصرالله وحزبه، إلا أنها تفضل تصوير الأمر على أنه تحصيل حاصل لوقوفها في وجه “إسرائيل” هذا إذا أردنا أن نصدق هذه التصريحات. وبالمقابل فإن النظام يسوق في اليوم الواحد أكثر من رواية للمجازر التي يقابل بها الثورة السورية بدءا بدفاعه عن السيادة الوطنية، وصولا إلى مقاتلة الإرهاب والدفاع عن الإسلام المعتدل.
على هذا، فإن لم يضع دي ميستورا كل هذه الأطراف والتعقيدات في حسبانه فإنه لن يستطيع الوصول إلى الجهات التي يجب عليه دعوتها لطاولة الحوار التي يأمل بأن يصل إليها، وحتى يقتنع المبعوث الأممي بأن ما قدمه حتى الآن لا يعدو كونه ذراً للرماد في العيون، فإن الكارثة المطبقة على السوريين سوف تستمر حتى يقتنع أن النظام هو المشكلة وليس جزءا من الحل.
صحيفة العرب: ثائر الزعزوع