تتواصل المعارك بين قوات “سوريا الديمقراطية” وتنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، في محيط مدينة منبج، كبرى مدن الريف الحلبي، منذ أيام عدة، بمساندة من التحالف الدولي لاستعادة المدينة الاستراتيجية التي يسيطر عليها التنظيم بشكل كامل منذ أكثر من عامين، وتعد أهم معاقله شمال سورية.
وسيطرت “سوريا الديمقراطية”، المكوّنة من قوات “حماية الشعب” الكردية (ثقلها الأساسي) ومقاتلين عرب، على قرى جديدة، أول من أمس الجمعة، بمساندة غارات مكثفة من طيران التحالف على مواقع للتنظيم. وباتت القوات الكردية على مسافة 13 كيلومتراً من مدينة منبج، التي تقع شرق حلب بنحو 80 كيلومتراً، بعد سيطرتهم على عشرات القرى في ريفها، إثر عبورهم إلى الجهة الغربية من نهر الفرات، انطلاقاً من معسكرات وقواعد عدة لهم، وفي مقدمتها سد تشرين.
وتوضح مصادر عسكرية مطلعة لـ”العربي الجديد” أن الهدف المرحلي للقوات المهاجمة يكمن في محاصرة المدينة من ثلاث جهات، وتضييق الخناق على عناصر التنظيم، الذين من المتوقع أن ينسحبوا في اتجاه مدينة الباب التي تقع إلى الغرب من مدينة منبج بنحو خمسين كيلومتراً. ويؤكد شهود عيان، لـ”العربي الجديد”، أن قوات “سوريا الديمقراطية” تواصل نقل الآليات والجنود عبر نهر الفرات من مناطق سيطرة القوات الكردية في ريف عين العرب إلى الضفة الغربية من النهر، عبر ناقلات خشبية. وقام المسلحون الأكراد بنقل أكثر من مائة سيارة ونحو أربعمائة مقاتل، حتى صباح أول من أمس، الجمعة، لينضموا إلى آلاف المقاتلين، تم نقلهم عبر النهر خلال الأيام الأربعة الماضية.
إزاء هذه التطورات الميدانية، تجدّدت مخاوف من قيام ما أُطلق عليهم “المحررون الجدد” لمدينة منبج، بعمليات تهجير وانتقام على غرار ما حدث في مدينة تل أبيض، وبلدات وقرى في ريف الرقة الشمالي إثر طرد التنظيم منها وسيطرة الوحدات الكردية عليها منتصف العام الماضي. واتهمت منظمات حقوقية سورية ودولية، منها منظمة العفو الدولية، الوحدات الكردية، وهي الذراع العسكرية لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، بممارسة عمليات تهجير واسعة ضد العرب والتركمان، وعمليات انتقام تحت ذريعة “محاربة الإرهاب والانتساب لداعش”.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن القوات المهاجمة التابعة لـ”سوريا الديمقراطية” يبلغ عددها نحو خمسة آلاف مقاتل، بينهم ألف مقاتل عربي، وهو ما يدحض كلام الرئيس التركي، طيب رجب أردوغان، عن أن معظم مقاتلي القوات المهاجمة هم من العرب، وأن القوات الكردية تقدم “الدعم اللوجستي فقط”. وقال أردوغان، في مؤتمر صحافي في نيروبي بكينيا، منذ يومين، إن القوات التي تشن العملية العسكرية في المدينة تضم 2500 مقاتلاً سورياً عربياً، و450 عنصراً فقط من وحدات حماية الشعب الكردية”.
ويؤكد الناشط أبو يمان الحلبي أنّ هناك تخوفاً كبيراً لدى عدد كبير من سكان منبج وريفها، الذين يقدر عددهم بنحو 700 ألف، بينهم نازحون من مناطق سورية، من تعرضهم لعمليات “اضطهاد متعمّد”، من قبل قوات “سوريا الديمقراطية”.
ويشير إلى احتمال نزوح عدد منهم إلى مناطق في ريف حلب الشرقي، في حال اقتراب هذه القوات أكثر من المدينة، التي دمر قسماً كبيراً منها طيران النظام، والتحالف الدولي، والروسي.
في المقابل، تعتبر مصادر في قوات “سوريا الديمقراطية” أنّ هذه الهواجس “غير مبررة”، مشيرة إلى أن نيتها “تحرير المدينة” من التنظيم وتسليمها لمجلس محلي يدير شؤونها. ويقول المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري لمنبج وريفها (جزء من قوات سوريا الديمقراطية)، شرفان درويش، لـ”العربي الجديد”، إن المعارك في محيط المدينة تسير “كما هو مخطط لها”، موضحاً أن قوات “سوريا الديمقراطية” هاجمت من محورين: الأول من سد تشرين، والثاني من محور جسر قرة قوزاق. ويلفت إلى أن القوات “تحقق تقدماً بشكل يومي، وسيطرت على قرى استراتيجية عدة في المحورين”، مضيفاً أن “المسافة التي تفصلهم الآن عن المدينة، بحسب المحاور، من 10 إلى 12 كيلومتراً”.
ويشير درويش إلى أن القوات الكردية “لا تتسرع في التقدم على الرغم من وجود إمكانات لذلك، وذلك بهدف المحافظة على حياة المدنيين قدر الإمكان، وتلافي أية خطورة قد تحدث لهم”، معتبراً الهواجس من عمليات تهجير وانتقام بحق المدنيين” مجرد أكاذيب وافتراءات تأتي من جهات معروفة، وهي تحاول بشتى الطرق إحداث بلبلة”. ويؤكد أن المدنيين الذين “حررناهم، كانوا يستقبلوننا بحفاوة كبيرة”، وفق قوله.
ويوضح أنّهم لن يسمحوا بـ”عمليات انتقام من أي طرف كان، لكن من مارس الإجرام من عناصر داعش، سنتحمل مسؤولية محاسبته وفق آليات وقوانين عادلة من جهات سيتم إنشاؤها لهذا الغرض”. ويؤكد أن قواته لن يكون لها أي دور في إدارة المدينة، إذ إنه “سيتم تحويل الصلاحيات الإدارية، ومسؤولية إدارة منبج، إلى المجلس المدني المشكّل سابقاً، وهو سيقوم بتفعيل دوره بعد مشاورات مع مكوّنات المدينة العشائرية، والاجتماعية، والفعاليات المدنية من دون إقصاء لأحد”.
ويؤكد المتحدث العسكري أن ما سماها بـ”القوات المحرِّرة” هي “من مكوّنات منبج”، متسائلاً عن كيفية تهجير أهلهم. لكنه يشير إلى أن “مَن تورط مع داعش، وأسهم معه في إجرامه، وانضم إليه هم هدف لنا، وغير ذلك هم أهلنا”، مضيفاً أنّ “الهدف تحرير مدينتنا وإعادة الحياة إليها بعد أكثر من عامين من سيطرة داعش، الذي ذبح أكثر من 580 شخصاً أمام أنظار الناس في الشوارع، عليها”.
من جهته، يرى الكاتب والناشط السياسي، حسن النيفي، (وهو من أبناء منبج)، أن استعادة السيطرة على منبج وريفها هو “قرار أميركي صرف، وليس قراراً من جانب الأكراد، فهم مجرد أداة تنفيذ لا أكثر”. ويضيف لـ”العربي الجديد” أنهم يرحبون باستعادة المدينة من التنظيم، “لكننا نخشى من استبدال داعش بداعش جديد”، على حدّ تعبيره. ويؤكد النيفي أن ما جرى في مدينة تل أبيض شمال الرقة من عمليات تهجير وانتقام، بحجة الانتساب إلى التنظيم، يبعث القلق والخوف لدى سكان مدينة منبج، مشيراً إلى أنه لا يستطيع أحد التنبؤ بما سيجري في المدينة بعد استعادتها.
ويلفت إلى أنّ المجلس المحلي، الذي شكّلته قوات “سوريا الديمقراطية” لا يحظى بقبول ورضا شعبي، “نحن لا نعترف به، فهو لا يمثّل أهالي المدينة على الإطلاق. والغاية من تشكيله إعلامية لا أكثر”.
ويؤكد النيفي أن القيادة في القوات المهاجمة هي للوحدات الكردية، مضيفاً أنّ المقاتلين العرب في هذه القوات لا قرار لهم، ولا يستطيعون التدخل في اتخاذ القرار العسكري أو غيره.
من داخل مدينة منبج، يؤكد الناشط الإعلامي، أبو محمد المنبجي، لـ”العربي الجديد”، أن الهدوء الحذر هو “سيد الموقف في المدينة، لكن الخوف من حدوث عمليات انتقام يسود، على الرغم من التطمينات من قبل القوات الكردية. ” لم يعد أمامنا حل آخر، كما بدأت حركة نزوح باتجاه الشمال”، وفقاً للناشط.
العرببي الجديد – محمد أمين