تتجه الأوضاع في شرقي سورية إلى مزيد من التعقيد، إذ قفز إلى الواجهة الإعلامية أخيراً سباق روسي أميركي على محافظة دير الزور ذات الأهمية الاستراتيجية في سياق تثبيت مناطق النفوذ في البلاد بين قوى إقليمية ودولية، في وقت تأخر فيه حسم معركة الرقة، وهو ما أتاح للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين التقدم باتجاه دير الزور من أكثر من محور، وأهمها محور ريف الرقة الجنوبي الشرقي.
ويحاول الروس قطع الطريق أمام مساع أميركية للسيطرة على دير الزور، لذا أعلنت موسكو، أمس الثلاثاء، أن قوات النظام تتحضر لعملية عسكرية في شرقي البلاد لوضع واشنطن أمام أمر واقع، لا سيما أن الأخيرة لا تملك قوات جاهزة لدخول معركة دير الزور، قبل السيطرة على الرقة غربها.
ولا تزال مليشيات “قوات سورية الديمقراطية”، والمعروفة اختصاراً بـ “قسد”، تقضم مزيداً من مساحة سيطرة تنظيم “داعش” في مدينة الرقة تمهيداً لحصر مسلحي الأخير في القسم الشمالي من المدينة والقضاء عليهم.
وتهدف غرفة عمليات “سورية الديمقراطية” إلى التقاء قوات تتقدم من الشرق بأخرى تتقدم من الغرب لشطر المدينة، التي تعرضت لدمار كبير، من الوسط.
وفي السياق، أكدت مصادر مقربة من هذه القوات، التي تشكل الوحدات الكردية عمادها الرئيسي، أنها حققت تقدماً واضحاً الإثنين داخل حارة “البوسرايا”، وبدأت تقترب من مدرسة عمر بن الخطاب، في مسعى منها للوصول إلى شارع الوادي في قلب المدينة. وقد أشارت إلى أن هذه القوات فرضت سيطرة على شارع المنصور مقتربة في ذلك من ساحة “الشماس”.
وتوقعت القيادية في “قوات سورية الديمقراطية”، نوروز أحمد، أن تنتهي عملية استعادة مدينة الرقة من قبضة تنظيم “داعش” في غضون الشهرين المقبلين. وقالت في حديث لوكالة “رويترز”، يوم الإثنين، “لا نستطيع تحديد الموعد الدقيق لانتهاء معركة الرقة، لأن الحرب لها قوانينها، لكننا لا نتوقع إطالة أمد الحملة. وفق مخططاتنا، فإن المعركة لن تستغرق أكثر من شهرين من الآن”.
وكانت معركة استعادة الرقة قد بدأت في السادس من شهر يونيو/حزيران الماضي، بدعم من التحالف الدولي، لكنها لم تحسم سريعاً كما توقع خبراء عسكريون، إذ سرعان ما دب خلاف بين قوات “سورية الديمقراطية”، وبين قوات “النخبة” التي تتبع لتيار الغد السوري بزعامة أحمد الجربا، ما تسبب بانسحاب الأخيرة من المعركة، وهو ما أدى دوراً في عدم تعجيل الحسم.
وفي السياق، أكد المتحدث الرسمي باسم قوات “النخبة”، محمد خالد الشاكر، أن “سورية الديمقراطية” تسعى لاجتذاب كل الفصائل العربية الفاعلة في شرقي سورية إلى صفوفها، مستشهداً بضمّها أخيراً مجموعة من المقاتلين يقدر عددهم بنحو مائة، كانوا ينتمون إلى قوات “النخبة”. وأشار إلى أن “سورية الديمقراطية” تعاطت مع هذا الأمر إعلامياً “بطريقة لا تنم عن احترام الشراكة بينها وبين النخبة، وتعد خروجاً عن اتفاقيات موقعة بين الطرفين”.
واتهم الشاكر قوات “سورية الديمقراطية” بما سمّاه “الاستفراد” بالرقة، مشيراً في حديث مع “العربي الجديد” إلى أن هذه القوات “تسعى لسحب الفصائل العربية لتحت مظلتها، ومشروعها السياسي”. وقال إن “التحالف الدولي بقيادة واشنطن “يعوّل علينا في إدارة مدينة الرقة بعد التحرير”، مضيفاً أن قوات سورية الديمقراطية تحاول تغيير هذه المعادلة. وفي هذا السياق، حاولت واشنطن من خلال زج قوات النخبة في معركة الرقة تبديد مخاوف سكان المحافظة وغالبيتهم من العرب من دخول قوات كردية إليها تحاول توسيع مساحة إقليم تعمل على إنشائه في شمال سورية.
في المقابل، أكد قياديون في قوات “سورية الديمقراطية”، أكثر من مرة أنهم لا يسعون إلى السيطرة على محافظة الرقة، وأنهم سيسلمون إدارتها لمجلس محلي بعد انتزاع السيطرة عليها بشكل كامل من تنظيم داعش. وأسهم تأخير الحسم في مدينة الرقة في تأجيل انطلاق معركة انتزاع السيطرة على محافظة دير الزور، ما أتاح للنظام وحلفائه الروس والإيرانيين التقدم أكثر باتجاه دير الزور من أكثر من محور، أهمها محور ريف الرقة الجنوبي الشرقي. وفي هذا السياق، أعلن المتحدث باسم قاعدة حميميم الروسية، أليكسندر إيفانوف، أمس الثلاثاء، أن قوات النظام “تتحضر لشنّ هجوم بري ضخم في الجزء الشرقي من البلاد والذي يسيطر عليه تنظيم داعش المتشدد”، مشيراً الى أن الهجوم “سيكون مشابهاً للسباق الذي حصل في البادية السورية الجنوبية الشرقية” وبدعم جوي روسي. ولفت إلى أن المعركة المقبلة “ستشهد تطورات مثيرة على الساحة المحلية والعالمية من الناحية العسكرية والسياسية”، وفق قوله.
لكن “قوات سورية الديمقراطية” تؤكد أن لها دوراً رئيسياً في معركة دير الزور المرتقبة في الخريف المقبل في إطار تنافس روسي إيراني من جهة، وأميركي من جهة أخرى على شرقي سورية.
وتعد محافظة دير الزور ثاني أكبر المحافظات من حيث المساحة، إذ تبلغ أكثر من 30 ألف كيلومتر مربع. كما أنها تكتسب أهمية استثنائية كونها تحتضن ثروة نفطية هائلة، لا سيما في ريفها الشرقي مترامي الأطراف، عدا عن كونها تعد امتداداً جغرافياً لمحافظة الأنبار غربي العراق، وهو ما يفسر اهتمام طهران بها حيث تسعى الأخيرة إلى فتح ممر بري من إيران إلى شواطئ المتوسط مروراً بشرقي سورية.
ويفرض تنظيم “داعش” منذ عام 2014 سيطرة على أغلب محافظة دير الزور باستثناء مطارها العسكري، وبعض الأحياء داخل المدينة يحاصرها التنظيم منذ نحو 3 أعوام. كما يحاصر “داعش” المطار من أكثر من جهة، حيث فشلت محاولاته في اقتحامه على مدى عامين. وتبدو معركة دير الزور شديدة الصلة مع معركة أخرى متوقع لها أن تبدأ قريبا في غربي العراق للقضاء على التنظيم في مدن راوة، وعانة، والقائم المقابلة تماماً لمدينة البوكمال التي تتبع لدير الزور وتقع شرقها بأكثر من مائة كيلومتر.
ومن هذا المنطلق يبدو المشهد شديد التعقيد، لا سيما أن التحالف الدولي يدعم مليشيات “الحشد الشعبي” في العراق التي تجاهر بمساندتها لقوات النظام السوري لأسباب طائفية، في وقت تعلن فيه واشنطن موقفا عدائياً تجاه النظام ورأسه.
وتطرح سيناريوهات عدة لمعركة دير الزور، منها إطلاق يد النظام وحلفائه جنوب نهر الفرات وهي المنطقة التي تُطلق عليها تسمية “الشامية”، وتستفرد قوات “سورية الديمقراطية” بشمال النهر وهو ما تطلق عليها تسمية الجزيرة والممتدة إلى الحسكة في شمال شرقي سورية، التي تسيطر على أجزاء واسعة منها قوات كردية. لكن المتحدث الرسمي باسم قوات “النخبة”، محمد خالد الشاكر، وهو من أبناء دير الزور، يرى أن معركة دير الزور مؤجلة حتى الانتهاء من عملية الرقة. ووفقاً للشاكر فإن التحالف الدولي “لم يضع استراتيجية قتال خاصة بدير الزور حتى الآن”، مشيراً الى أن محافظة دير الزور ستدار من قبل مجلس محلي من أبنائها. ولفت إلى أن أهمية دير الزور الاقتصادية ستكون لها أولوية في الصراع على شرقي سورية.
صدى الشام