وجهت وزارة الدفاع “الروسية” دعوة “للمسلحين” التابعين لفصائل المعارضة السورية للتخلي عن السلاح والخروج من أحياء مدينة حلب الشرقية, التي باتت محاصرة بشكل كامل من قبل جيش النظام السوري المدعوم بالمليشيات الأجنبية “الشيعية”, وكانت تلك الوزارة قد أعلنت في وقت سابق عن قيامها بفتح معابر إنسانية بين أحياء حلب الشرقية والغربية لتسهيل عملية خروج “المدنيين المحاصرين” إلى جانب المسلحين الذين قرروا تسليم أنفسهم إلى قوات النظام, ترافقت تلك التصريحات مع دعوة رئيس النظام المسلحين إلى “العودة إلى حضن الوطن”, والمشاركة المستقبلية في عملية إعادة “إعمار سورية”, بعد تسوية أوضاعهم جميعا.
إلّا أن المفارقة الغريبة أن تصدر تلك الدعوات من الدولة الروسية, أو بالأحرى من وزارة الدفاع الروسية, وكأن القضية تحولت برمتها إلى صراع معلن بين أبناء الشعب السوري و”الجيش الروسي”, الذي بات يتحكم بكل مفاصل المعارك العسكرية والسياسية نيابة عن النظام السوري الذي تنحى جانبا وأصبح طوع أمر القرارات التي تصدر من “الكرملين”
بل إن القيادة الروسية أعطت لنفسها مهمة ليست من اختصاصها, بل من اختصاص الأمم المتحدة التي من المفروض أن تكون هي الجهة المشرفة على خروج المدنيين من أحياء حلب المحاصرة.
ترجِّح العديد من آراء المحللين السياسين أن التمادي الروسي الحالي ليس إلّا نتيجة للغياب التام للموقف الدولي المقابل الذي يسعى لحل الأزمة السورية منذ خمس سنوات حتى الآن, ولكن السؤال على ماذا تعول روسيا حتى تخرج تلك التصريحات عن مصدر كوزارة الدفاع الروسية؟!.
الجواب عن هذا السؤال هو جواب متشعب ويقبل القسمة على العديد من الاحتمالات, ولكن ما يبدو للعيان هو أن الموقف السياسي الروسي دائما مايرتبط بالموقف العسكري على الأرض, لذلك حاولت القيادة الروسية جاهدة لإنجاح الخطة العسكرية التي كانت ترمي لفرض طوق عسكري خانق على أحياء حلب المحررة, مدفوعة بمبدأ الإسراع في عمليلت كسب الإنتصارات العسكرية على الأرض مستغلة الموقف الضعيف للإدارة الامريكية الحالية التي لم يبقى لها سوى أشهر قليلة حتى تنهي صلاحياتها في البيت الابيض لتحل محلها إدارة جديدة قد تكون ذات مواقف حازمة أكثر تجاه الدور الروسي الداعم للنظام بشكل مطلق في سورية.
وقد بدأت تلك الأصوات الروسية تتعالى في الآونة الأخيرة عقب نجاحهم بدعم النظام ليتمكن من فرض الحصار على مدينة حلب, وقد تميزت تلك التصريحات بروح “المنتصر” الذي يريد أن يفرض رؤيته الوحيدة على الشعب السوري أولا ثم على المجتمع الدولي ثانيا, إلّا أن تلك النشوة المؤقتة لم تدم طويلا حتى سارعت كبرى فصائل المعارضة السورية بلملمة صفوفها والبدء بمعركة جديدة تهدف لكسر الحصار عن مدينة حلب ولكن من الجهة الجنوبية الغربية, استراتيجية جديدة اتبعتها تلك الفصائل في التعامل مع الوضع العسكري الجديد, وقد تمكنت وخلال الساعات الأولى من بدء المعركة من كسب عدد من النقاط الهامة التي جعلتها متاخمة لحدود حلب الغربية المعقل الرئيسي لقوات النظام.
وبما أن الموقف الميداني على الأرض يلعب دورا كبيرا في توجيه الموقف السياسي الروسي, وينعكس بشكل مباشر على قرارات الحكومة الروسية, يتوقع العديد من الخبراء السياسيين والعسكريين أن تسعى الحكومة الروسية باعتبارها اللاعب الأبرز في القضية السورية “طرفا في النزاع وليست طرفا في حله”, إلى اللجوء لمراوغة سياسية جديدة تتمثل بدعوة عاجلة لفرض هدنة في مدينة حلب, طبعا في حال استمرت قوات المعارضة من كسب المزيد من التقدم على الأرض باتجاه الأحياء الغربية لحلب.
يسلِّم السوريون بمسألة تماشي أو عجز المجتمع الدولي عن إفشال تلك المراوغة الروسية المحتملة بفرض هدنة عاجلة من أجل إعادة لململة الصفوف وإفشال كل المحاولات التي تهدف لكسر الحصار عن مدينة حلب, لكنهم يعولون على قوات المعارضة بالاستمرار بتلك المعركة التي تعد من المعارك المصيرية التي سوف يكون لها منعطف كبير, سيغير العديد من مجريات الأحداث الميدانية والسياسية.
فهل تقلب قوات المعارضة الطاولة على رأس روسيا كما يرغب السوريون؟!.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.