لجأ كثير من السوريين إلى لبنان منذ بداية الأزمة، باعتبارها من الدول الشقيقة، وسوريا هي الدولة التي احتضنت اللبنانيين خلال طول سنوات الحرب، إلا أن معاناة اللاجئين فيها وصلت لدرجة تفوق التحمل، سواء لمن اتخذ المخيمات مسكنا له أو لمن قرر العيش داخل الأراضي اللبنانية باحثا عن عمل حر.
وما كان من الحكومة اللبنانية إلا أن أصدرت قرارات جائرة بحق السوريين الذين باتوا يشعرون بثقل وجودهم على أراضيها، فلا يحق لهم العمل في أي مكان، إذ إن معظمهم عمال بساعات عمل طويلة وأجور منخفضة لا تكاد تسد جانبا صغيرا من احتياجاتهم ونفقات معيشتهم.
فكان آخرها خبر صدر عن وزيرة المهجرين ” أليس شبطيني “، ومفاده أن توطين السوريين في لبنان مرفوض، وتحقيقه صعب المنال، واعتبرته ضرب من الخيال، وبررت هكذا خبر بأن لبنان لم يعد يحتمل عددا إضافيا من اللاجئين السوريين، كون الحكومة تعاني من أعباء اقتصادية، ولا يمكنها تغطية احتياجاتهم اليومية.
ولعل الأطفال هم الشريحة الأكثر تضررا بين اللاجئين؛ فبحسب منظمة اليونيسيف يوجد أكثر من 100ألف طفل خارج نطاق التعليم من بين 400 ألف طفل يعيشون في لبنان، ويعود ذلك لأسباب عدة في مقدمتها عدم استيعاب المدارس اللبنانية لأعداد التلاميذ السوريين، وعدم قدرة التلاميذ على الاندماج واستيعاب المناهج اللبنانية التي تدرس في مدارسهم، والتي تعتمد بشكل أساسي على اللغة الفرنسية التي تشكل عائقا أمامهم وبالأخص لطلاب المراحل المتقدمة الذين لا يملكون أية خلفية ثقافية بهذا الخصوص.
بنظراته البريئة والممزوجة بالحزن، ويديه الصغيرتين اللتين ضاعت طفولتهما بين شحم السيارات ونظرات الزبائن الممتعضة يروي ماهر ذو عشرة الأعوام قصته:” كنت بسوريا حب كتير المدرسة، بس لما جيت مع أهلي ع لبنان ماعدت حبها، لأن الأستاذ بيحكي بالفرنسي وأنا مابفهم عليه، ورفقاتي اللبنانيين بالصف بصيروا يضحكوا عليّ ويتمسخروا، ودايما بقولولي رجعوا عبلدكن شو جابكم لعنا، فتركت المدرسة وصرت اشتغل عند ميكنيسيان لساعد أهلي بالمصروف، كل الزباين لما يجو لعنا بيطلعُوا فيني نظرة غضب لما يعرفوا إني سوري، ليش هيك نحن.. شو عملنا؟؟”.
رغم جهود المنظمات الإنسانية الداعمة للاجئين وبالأخص في مجال تعليم الأطفال، إلا أن الحكومة اللبنانية تواصل تذمرها واستياءها من عدم قدرتها على إيجاد حلول لاستيعاب جميع الأطفال، وتؤجل دائما فكرة بناء مدارس جديدة في المناطق التي تشهد ازدحاما بالسوريين، فكانت فكرة البيوت المتنقلة في منطقة البقاع حلا مؤقتا للحد من هذه الظاهرة، برعاية منظمة سوا للتنمية والتطوير، وكان الهدف منها إبقاء التلاميذ في المدرسة لاكتسابهم المعارف وقيامهم بنشاطات تعليمية وترفيهية تساعدهم على الخروج من واقعهم السيء الذي يعيشون فيه، لإعدادهم بطريقة جيدة ريثما يتم تأمين مدارس رسمية لاستيعابهم في العام الدراسي القادم.
يقول مصطفى وهو لاجئ في لبنان من مدينة حلب:” كنت أعمل في سوريا مدرسا للغة العربية، لينتهي بي المطاف أمام بسطة للخضار لأجني بها قوت يومي بعد أن رفضت جميع المدارس تعييني نظرا لاعتمادهم على المنهاج اللبناني الذي يختلف بشكل كلّي عن المنهاج السوري”.
معاناة ومآسٍ لا تُعد ولا تُحصى والضحية دائما الأطفال الذين لا ذنب لهم من لعبة الكبار سوى أنهم ولدوا في بلد يحكمه نظام لا يأبه لأحد، ولا يقيم اعتبارا للطفولة التي مزقتها الحرب وأضاعت بريقها، وشوهت جيلا بأكمله.
سماح خالد ـ المركز الصحفي السوري