يحاول الزوجان النازحان منذ شهور قسراً من مدينة حلب الشرقية “أبو مروان وزوجته” أن يسكتا بطون أطفالهما الخمس بالطعام المتوفر لديهم من كرتونة الإغاثة التي لا جديد فيها من شأنه تغيير روتين الغذاء الممل وخاصة لأطفال تحتاج أجسادهم الغضة لمختلف أنواع الخضراوات والأغذية المساهمة لبناء جسم سليم وعقل سليم.
طوال حرب مستعرة منذ أكثر من ست سنوات يزيد من معاناة السوريين النازحين في خيام البؤس والشتات وخاصة أننا مقبلون على شهر الصوم الذي يتطلب المزيد من الاحتياجات الغذائية، وفي فرصة لنا سمحت بمقابلة أبي مروان كنا ممن سلطّ الضوء على معاناته من خلال حديثة المطول معنا بكلمات تتشابك فيها الأحزان قائلاً “يوم بنطبخ رز وعدس ويوم بنطبع عدس ببرغل.. آه ملّت بطون صغاري من طعام يقدم لنا من مساعدات أممية.. وكأن اللحوم والخضار في منأى عن النازحين.. أما الحلويات والسكاكر فهما حلمّ لا نفتأ نذكره مع أيامنا الماضية”.
طالت الحرب وطالت معها معاناة النازحين وانقضت حبال الأمل بالعودة إلى الديار، بعد التهجير القسري والسيطرة على الممتلكات من قبل شبيحة النظام وأعوانه المساندين، ومن السيء إلى أسوء، فيما بقي وحدهم الأطفال يحاولون إيجاد البسمة من بين كل هذه الأحزان، على الرغم من أن واقعهم يعدّ الأكثر إيلاماً فقد صاروا بلا غذاء ولا دواء ولا تعليم.
تقترب “سيدره” الأصغر والأكثر غنجاً من بين أبناء “أبي مروان” وهي تشبك أصابعها بأصابع أبيها مع هزة خفيفة إشارة منها لبدأ طلبات طفولية وملحّة، هامسة في أذنه بضع كلمات جعلت من أبي مروان يهز رأسه متحسراً ويدمدم لنا بصوت منخفض قائلاً “تذكرني بقطعة البسبوسة وأكياس الشيبس التي اعتادت شراءها من أبي محمود في آخر سطر من صفوف المخيمات.. آه ليت الهموم وضريبة الحرب تقتصر على الطعام فحسب، بل تبعاتها المفروضة تذكرنا بقسوة الظالمين”.
شتات لم تضع معه مأساة اللجوء أوزارها، فأصحاب الأرض السوريين أمسوا غرباء وبعيدين كل البعد عن الحسد لما آلوا إليه من الأوجاع، فالغرباء حلوا في أرضهم وهم من يجهل هويتها ولغتها وتاريخها.
من داخل المخيمات الممتدة على الشريط الحدودي، تتكشف العديد من الضرائب المفروضة على الأهل في سوريا، ذاك ما يجعلهم شهوداً لعقود على حرب صنعها الكبار وصمت عنها دول الجوار، ومع اقتراب شهر الصوم بات على المهجرين التخلي عن عادات ذاك الشهر الفضيل وعلى حسب قول “أبي محمد” أحد النازحين من ريف الغوطة لمخيمات الشمال السوري “نحن بالأصل صائمون مع ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وبالرغم من كون رمضان شهر الروحانيات إلا أنه وسط حرّ شديد وساعات صوم طويلة وخيام مهترئة لا تغني من أشعة الشمس يتشكل خطر كبير على حياة الكثيرين”.
ربما العقود لن تنسي الأبناء ولا الأحفاد جلل المصاب وشتات المكان، ليبقى معشعشاً في الذاكرة حلم العودة إلى الديار مهما طال المكوث في مخيمات اللجوء.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد