الحصار والتجويع والتهجير القسري للسوريين من مدنهم خطة يعتمدها النظام لمواجهة الثورة، مستغلاً تعطيل المفاوضات في جنيف لكسب المزيد من الأراضي وممارسة أفظع الجرائم بحقّ الانسانية، فهناك داخل هذه المدن المحاصرة صوراً كارثية تُبكي الحجر، لا يستوعبها المنطق ولا العقل ولا يمكن تبريرها، فتخيّل أن يصل سعر حليب الأطفال في بلدتي مضايا وبقين إلى 150 دولاراً أميركياً للكيلو الواحد، أليس ذلك كفراً، أليس ذلك إرهاباً يدفع الأمهات إلى إطعام أطفالهن الماء والسكر، وحتى الوصول إلى الماء يحتاج إلى رحلة لا تقل عن كيلومتر ونصف الكيلو، في ظل أوضاع بائسة وكئيبة، تجتاحها الأمراض والأوبئة كمرض السحايا، في غياب تام للأدوية واللقاحات والأطباء المتخصّصين، فعن أي ارهاب يتكلمون؟
حتى التربية والتعليم انعدما في البلدتين بسبب التخوف من انتشار مرض #السحايا، إذ أعلن المجلس المحلي لمضايا وبقين تأجيل افتتاح المدارس “حتى اشعار آخر”، وطالبَ بادخال مساعدات غذائية ودوائية الى المنطقة واللقاحات اللازمة، وإحداث نقطة طبية داخل مضايا مجهزة بالمعدات اللازمة وفتح ممرات انسانية للحالات العاجلة لمعالجتها.
“قالب الحلوى”
صراخ الجوع لم يوقظ العالم الذي يتنازع على حصص “قالب الحلوى”، ولم يحرك جفنًا لدى النظام، بل تحول الصراخ إلى تجارة لمد البلدات المحاصرة بمواد غذائية يأسعار خيالية، ومع اقتراب فصل الشتاء يسعيد أبناء مضايا حالهم في العام الماضي: جوع وبرد، متخوفين من وفاة الأفراد جراء ذلك. وتواصلت “النهار” مع فراس الحسين وهو إعلامي المجلس المحلي لمضايا وبقين، الذي حدّثنا من الداخل عن صمود الأهالي ووجعهم ومعانتهم.
18 شهراً من حصار مضايا وبقين، حوّلت الحياة بالنسبة إلى 38 ألف نسمة إلى جحيم، ومنذ 5 أشهر لم يدخل البلدتين أي مساعدات انسانية، ومنذ نحو 8 اشهر لم تحصل العائلات على حليب للأطفال، “الوضع صعب وكارثي” يقول الحسين، ويضيف: “300 نقطة عسكرية لـ”حزب الله” تحاصرنا، و8 آلاف لغم بمحيط البلدة وسياج جديد بطول ثلاثة كيلومترات”، ويضيف: “حزب الله يعتبر الحصار تجارة، فهو يتاجر بحليب الاطفال والمواد الغذائية، وعند تأجيل ادخال المساعدات الثلثاء الماضي رفع الحزب سعر كيلو الحليب إلى 150 دولاراً وذلك عن طريق التجار المتعاملين، فهو يوصل المواد لهم لبيعها بهذه الأسعار الخيالية، ويتابع سياسة القنص، ويومياً هناك جريح أو قتيل بسبب أعمال القنص من مراكز الحزب عند أطراف البلدة”.
“شبح البرد”
يتخوّف أهالي مضايا وبقين من “شبح البرد” والموت لعدم توافر التدفئة، ويوضح الحسين: “نحن على ابواب فصل الشتاء ولا وقود ولاحطب لدينا، وقد استخدمنا الحطب بكامله العام الماضي، وحالياً أي عائلة تريد تأمين تدفئة سيكلفها الأمر نحو 2000 دولار شهرياً، فيما دخل الفرد اسبوعيا لا يتجاوز 50 دولاراً، وبالتالي إذا لم يتم ادخال مساعدات من الأمم المتحدة للتدفئة، فقد تموت الناس من البرد مثلما ماتت السنة الماضية من الجوع وهذا ما نتخوف منه”.
السحايا هو العدو الحالي للأهالي، ولمواجهته اتخذ القرار بإقفال المدارس وحرم نحو 5300 طالب من التعليم حفاظاً على حياته، ويلفت الحسين إلى أنه “تم اكتشاف مرض السحايا في بداية الشهر الثامن عن طريق الفحص السريري والأعراض، بسبب غياب أي تحاليل او مختبرات أو اطباء مختصين، وأصيبَ 21 شخصاً بهذا المرض، 18 منهم تمّت معالجتهم فيما هناك 3 حالات لا تزال في الحجر الصحي في منازلهم، من دون أن نسجل حتى اليوم أي حالة وفاة بسبب المرض، لكن الخوف الأكبر من انتشاره”.
أما في شأن المياه، فهي متوافرة لكن الحصول عليها ليس بالأمر السهل، ويوضح الحسين أن “أي عائلة تريد المياه فعليها اجتياز نحو كيلو متر ونصف الكيلو لتأمين المياه لأنه في غياب الوقود والديزل لا يمكن دفع المياه إلى المنازل، ولدى المجلس المحلي مشروع لإيصال المياه لكن بسبب نقص التمويل لا يمكن تغطية كل السكان، بل الثلث أو نصفهم كحد أقصى”.
محمدنمر_النهار