تتكثّف المشاورات الإقليمية والدولية استعداداً للجولة المقبلة من محادثات جنيف المقرر أن تنطلق بين 9 و11 أبريل/ نيسان الحالي، كما أعلن المبعوث الأممي إلى سورية ستيفان دي ميستورا، بالتزامن مع تصعيد ميداني من النظام السوري مع عودته إلى ارتكاب مجازر متنقلة، كان آخرها يوم أمس، الخميس، مع قصف طيرانه الحربي بلدة دير العصافير في ريف دمشق، ما أدى إلى سقوط أكثر من 30 قتيلاً مدنياً، بينهم أطفال ونساء، إضافة إلى عشرات الجرحى.
ومع اقتراب محادثات جنيف التي يتوقع مراقبون أن تكون “أكثر صخباً” من سابقتها، وخصوصاً لجهة تحديد مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، بدأت تظهر ملامح تفاهم روسي أميركي على مستقبل سورية السياسي، بدا أن الطرفين عملا عليه بعيداً عن وسائل الإعلام خلال الأيام القليلة الماضية في موسكو. ويتوقع مراقبون أن تدخل مناقشات الجولة المقبلة من محادثات جنيف في صلب القضايا الجوهرية، وخصوصاً تلك المتعلقة بتشكيل هيئة حكم انتقالي، وتحديد مصير الأسد، في ظل تسريبات إعلامية تتحدث عن تفاهم روسي أميركي وشيك على مستقبل سورية السياسي يتضمن تنحي الأسد عن السلطة وخروجه من سورية. لكن هذه التسريبات نفتها موسكو أمس، وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف، إنها لا تمت للواقع بصلة.
ولكن مراقبين يجزمون أن “وراء الأكمة ما وراءها”، وأن الجولة المقبلة من محادثات جنيف ستشهد حسم قضايا، منها مصير بشار الأسد.
وقبيل الجولة الثالثة من محادثات جنيف، شرعت المعارضة السورية في مناقشة مجمل التطورات السياسية التي طفت على السطح، خصوصاً لجهة التصريحات المتناقضة من موسكو وواشنطن، ولبلورة رأي بوثيقة دي ميستورا التي قدّمها في نهاية الجولة الأخيرة من محادثات جنيف، وتتضمن ما قال إنها المبادئ الأساسية للحل السياسي في سورية.
وبدأت الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني السوري، أمس الخميس، اجتماعات في مدينة اسطنبول التركية، لمناقشة الوثيقة التي قدّمها دي ميستورا إلى وفدي المعارضة والنظام، وتتضمن نقاطاً ربما تكون “خارطة طريق” لحل سياسي وأرضية مشتركة لتقدّم المحادثات باتجاه بحث الانتقال السياسي الذي يعتمد القرار الدولي 2254 مرجعية له.
ورفض المتحدث باسم الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية رياض نعسان آغا، التعليق على المعلومات الصحافية عن أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري أبلغ دولاً عربية معنية بأن الولايات المتحدة وروسيا توصلتا إلى تفاهم على مستقبل العملية السياسية في سورية، من ضمنه رحيل الأسد إلى دولة أخرى من دون تحديد إطار زمني لذلك. واكتفى نعسان آغا، في تصريح لـ”العربي الجديد”، بالقول: “سيُدرس الوضع في الاجتماع المقبل للهيئة العليا للمفاوضات الذي سيُعقد آخر الأسبوع المقبل”.
وتحدث الأسد لوكالة “نوفوستي” الروسية عن مفهومه للانتقال السياسي في سورية، مشيراً إلى أنه يعني الانتقال من دستور إلى دستور آخر، مع تشكيل “حكومة وحدة وطنية” تضم النظام والمعارضة، رافضاً فكرة تأسيس هيئة حكم انتقالي في سورية، مبدياً استعداده لإجراء انتخابات مبكرة “إذا أراد الشعب السوري ذلك”، وفق قوله. وكانت واشنطن قد جددت رفضها مشاركة الأسد في أي حكومة وحدة مقبلة في سورية، وقال المتحدث باسم البيت الابيض، جوش أرنست، إن مشاركة الأسد في حكومة وحدة وطنية “أمر غير مطروح للنقاش”.
ولا تبدو فصائل المعارضة السورية المسلحة معنية كثيراً بما يصدر عن أروقة السياسة الدولية عن مصير الأسد، وتشير إلى أن التصريحات المتناقضة من عواصم صنع القرار العالمي أفقدت هذه المعارضة الثقة بها، وفق رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش السوري الحر العميد أحمد بري، الذي قال في تصريحات لـ”العربي الجديد”، إنه سبق للإدارة الأميركية أن أدلت بتصريحات لم تعمل على تنفيذها، خصوصاً في ما يتعلق بمصير الأسد، مؤكداً أن الجيش السوري الحر لا يبني استراتيجيته على هذه التصريحات المتناقضة التي تصدر بين فترة وأخرى.
من جهته، رأى المعارض السوري عماد غليون، أن ملامح حل سياسي بدأت تتضح، معرباً عن اعتقاده بأن وثيقة الموفد الأممي تضمنت ما يوحي باتفاق القوى العظمى على تفاهمات نهائية بما يخص الملف السوري. واعتبر غليون، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه في حال تأجيل الانتخابات البرلمانية التي دعا إليها النظام السوري، فإن ذلك سيشكّل “فرصة لطرح حل ما”، متوقّعاً أن تكون الجولة المقبلة من المحادثات “أكثر جدية”، خصوصاً إذا صحّت الأنباء الواردة من دمشق عن استبدال النظام لرئيس وفده المفاوض بشار الجعفري بنائب وزير خارجيته فيصل المقداد، مضيفاً: “سيستمر دي ميستورا في استثمار نقاط الاتفاق بين النظام والمعارضة، وتحويلها إلى حل في نهاية المطاف”.
لكن الباحث السياسي السوري فواز تللو رأى أن التسريبات حول اتفاق أميركي روسي على استبعاد الأسد “غير صحيحة”، مضيفاً في حديث مع “العربي الجديد”، أن “موقف الروس واضح منذ سنوات، والموقف الأميركي مكمّل للدور الروسي، وأفعال إدارة باراك أوباما التي تهدف لحماية الأسد بمنع تسليح الثورة، ورفض أي منطقة آمنة في سورية، ودعم أحزاب كردية لديها نوايا انفصالية عن سورية، هو القول الفصل”.
وتابع تللو: “أما الأقوال المراوغة حمّالة الأوجه عن مصير الأسد، وموعد رحيله، فهي مناورات لجرّ الثورة وحلفائها لضمان استمرار مؤامرة التفاوض في جنيف التي تدار بإشراف أميركي روسي”، معرباً عن اعتقاده بأن ما سمّاها “نقاط دي ميستورا” لا تبحث مصير الأسد ولا نظامه ولا هيئة حكم انتقالي ولا في انتقال سياسي حقيقي، بل إعادة تأهيل النظام الأسدي عبر تنظيم انتخابات مزورة مع استمرار الحسم العسكري ضد الثورة عبر كل الأطراف، وفق قوله.
ودعا تللو المعارضة السورية وحلفاءها الإقليميين لـ”الخروج من حالة رد الفعل المتأخر والشلل والخضوع للمراوغات الأميركية”.
العربي الجديد