تشهد الولايات المتحدة جدلًا حول التحركات العسكرية في سوريا، يعيد إلى الأذهان عهد أوباما. ويتركز الجدل حول توسيع العملية العسكرية الأمريكية لتشمل شرقي وجنوب شرقي سوريا. فالتنافس على المنطقة المذكورة يتزايد بين المجموعات المدعومة أمريكيًّا وقوات النظام المدعومة إيرانيًّا. استهدفت الولايات المتحدة قوات النظام في هذه المنطقة عدة مرات. ويُقال إن هناك قوات أمريكية خاصة قوامها 150 في التنف، ذات الأهمية الكبيرة على الطريق البري بين سوريا والعراق. وفي المقابل وصلت قوات النظام حدود العراق من شمال معبر التنف الحدودي لتقطع الطريق البري مع سوريا على القوات المدعومة أمريكيًّا.
إقامة طريق بري لوجستي بين بيروت وطهران واحدة من أهم أولويات إيران في سوريا، وربما هي السبب في دخولها سوريا. ومن أجل تحقيق هذا المخطط، تعتبر طهران سيطرة النظام على الحدود أهم من تطهير الحدود السورية العراقية من داعش. لكن قوات النظام لا تسيطر حاليًّا على الحدود، ومؤخرًا استولت على منطقة صغيرة فقط، كما ذكرت أعلاه. يسيطر حزب العمال الكردستاني على خط الحدود في الشمال، والجيش الحر في الجنوب. وتسعى قوات النظام للسيطرة على خط الحدود الذي ما زال بيد تنظيم داعش، ويقع جزء كبير منه في دير الزور، قبل القوات المدعومة أمريكيًّا.
لم تحدد واشنطن سياسة بعد في هذا الخصوص، وهناك توجهين لدى القيادة الأمنية أولهما “توسيع نطاق الاشتباكات العسكرية” والثاني “إبقاؤها حول التنف”. وبحسب مجلة فورين بوليسي فإن أعضاء في مجلس الأمن القومي منهم عزرا كوهين وديريك هارفي يرون في المنطقة فرصة لوقف التمدد الإيراني. وإذا سيطرت على المنطقة بمزيد من الاشتباكات العسكرية سينقطع الطريق البري بين سوريا والعراق أمام إيران. وهذا أمر هام من أجل الحيلولة دون عبور الميليشيات الموالية لإيران بريًّا بين البلدين. أما في حال تمكنت إيران من فتح هذه القناة فإن الاحتمال كبير في عبور الحشد الشعبي العراقي إلى سوريا عبر الحدود. لكن من أجل إغلاق هذا الخط يتوجب على الولايات المتحدة المغامرة بالاشتباك مع قوات النظام المدعومة إيرانيًّا.
هذا عن التوجه الأول، أما الثاني فيتبناه وزير الدفاع جميس ماتيس ورئيس الأركان جوزيف دانفورد والمبعوث الأمريكي للتحالف الدولي بريت ماكغورك، ويعارض توسيع الاشتباكات العسكرية. وسبب عدم الرغبة في الاشتباك مع إيران هو خطورته، فضلًا تعرض القوات الأمريكية في العراق للتهديد في حال الاشتباك مع إيران في سوريا. ويعتقد هذا الفريق بضرورة إيلاء الأهمية لمكافحة داعش، وأن التدخلات محدودة النطاق قادرة على ردع إيران.
وهذا التوجه الثاني يمهد الطريق أمام عبور إيران من الحدود العراقية السورية، ويمكن أن يؤدي إلى كارثة كبيرة في سوريا، ويزيد عنف الحرب ويطيل أمدها.
تمددت إيران إلى هذا الحد لأنها وجدت المجال مفتوحًا أمامها في سوريا. الطريقة الوحيدة لتحجيم إيران وردعها في هذه المنطقة هي توسيع الاشتباكات العسكرية مع النظام. لأن تحجيم إيران في المنطقة سيعود بمكاسب على الجميع (بما فيهم روسيا)، ويمكن للكثير من الفاعلين كالأردن وتركيا والسعودية المساهمة في هذا الجهد.
على الولايات المتحدة ألا تنظر للخط الحدودي المذكور من منظور ضيق كما فعل أوباما، وإلا فإن الجميع سيخسر، باستثناء النظام وإيران.
ترك برس