” اشتقت لمقاعد مدرستي يا أمي، لكنني أخجل من مظهري بعد أن اقتلع المرض شعري، كم أتمنى العودة لبيتنا، و ألعب مع أصدقائي في حيينا متى سأعود يا أمي ؟”.
تلك كانت كلمات يزن ذو التسع سنوات بعد أن أصيب بمرض السرطان، ليعيش ما تبقى من طفولته بين قسوة الحرب والتشرد و جرعات الكيماوي والأشعة التي فتكت بجسده النحيل و سرقت منه أحلامه البريئة.
ساهمت الحرب بانتشار أمراض عدة كالسل و التيفوئيد وداء الكلب وغيرها من الأمراض المعدية نتيجة ضعف الرعاية الصحية ونقص حاد في المراكز و الكوادر الطبية و الأدوية، لكن يبقى مرض السرطان عدو البشرية الأول و ثالث الأمراض التي تسبب الوفاة في سوريا.
ارتفعت نسبة الإصابة بمرض السرطان في سوريا خلال سنوات الحرب لتزداد معها معاناة السوريين، بعد أن أغرقتهم الأزمة بالفقر والعوز والحاجة، حيث يعاني مرضى السرطان في سوريا من نقص حاد في الإمكانيات و التجهيزات المتاحة و الأدوية التي من المفروض أن تقدم بشكل مجاني في مشافي الدولة المتخصصة في علاج هذا المرض، واقتصر وجودها في دمشق وحمص واللاذقية، إذ لا تقدم الأدوية بالمجان إلا لأصحاب المحسوبيات.
و نظرا لارتفاع أسعار الأدوية وجلسات الأشعة و قلة توفرها حتى في مشافي النظام، كانت تركيا وجهة العديد من المرضى لاستكمال علاجهم عبر الدعم الذي تقدمه بعض الجمعيات والمنظمات، و بلغ عدد المرضى في تركيا ما يقارب 4آلاف و خمسمئة مريض، بينهم 500 طفل، إذ يكلف علاجهم الحكومة التركية أكثر من مليون ونصف مليون دولار شهريا وذلك حسب قناة الآن.
يبقى الأمل موجودا رغم خطورة المرض، إذ أن أكثر من 100 طفل سوري تماثلوا للشفاء بشكل كامل و ذلك بسبب الكشف المبكر عن المرض و تقديم الدعم من قبل الحكومة التركية .
و تعتبر منظمة الأمل الداعم الأول لمرضى لسرطان السوريين في تركيا عبر تقديم الخدمات الطبية واللوجستية في مقرها في عنتاب بعد أن كان في الداخل السوري، حيث أنفقت ما يقارب 50 مليون دولار لعلاجهم خلال أربع سنوات .
و عن الخدمات التي تقدم لمرضى السرطان السوريين في تركيا، يقول رئيس مجلس إدارة جمعية “الأمل” “عبد الرحمن زينو” لـ”عربي 21″ إن جمعية الأمل تبدأ باستقبال المريض من داخل سوريا، في مناطق النظام والمعارضة وتنظيم الدولة عن طريق مراكز سرية، حيث تقوم تلك المراكز بإرسال المرضى الذي يعانون من حالات مستعصية إلينا على الفور”.
تقول أم يزن :” كان يزن يشعر بدوار في رأسه وبعد عدة محاولات فاشلة لتشخيص مرضه قررت أخذه لدمشق، لأكتشف فيما بعد إصابته بالسرطان في الدماغ، لم تكن الحالة المادية تسمح بدفع تكاليف العلاج مما اضطرني لبيع منزلي في ريف حلب لتأمين المصاريف “.
وتضيف أم يزن :” لم تكن جلسات الأشعة تجد نفعا، فتواصلت مع منظمة الأمل و أمنت لي دخولي لتركيا عن طريق المعبر لتتكفل بعلاجه، لكن للأسف بعد فوات الأوان فقد استفحل المرض ووصل لمراحل متقدمة و لا أملك سوى الدعاء “.
يعتبر العامل النفسي من أساسيات العلاج، لكن للأسف معظم المرضى يصابون بالاكتئاب مما يساعد في انتشاره بشكل أكبر، و كخطوة لزرع الابتسامة على وجوه أطفال سورية المصابين بالمرض، قامت منظمة الأمل منذ أيام بإقامة حفل احتفاء بمن شفي من الأطفال تحت عنوان ” بسمة أمل ” .
لم تكفهم ويلات الحرب ليزيدهم المرض بؤسا وشقاء، تجلس أم يزن بجوار ابنها لتتأكد أنه مازال يتنفس بلهثة، ويعتصر قلبها مع كل تنهيدة يحتضر بها لتقف عاجزة أمام موته الذي بات محتوما .
سماح خالد ـ المركز الصحفي السوري