“منزل أحلامك بات اليوم حقيقة، امتلك قرضك السكني” إعلان تجاري ينتشر في العاصمة الأردنية عمان لجذب المواطنين للحصول على قروض سكنية، بسعر فائدة متصاعدة لا تقل عن عشرة أعوام.
الإعلان السابق وجد حيزا عند محمد الخطيب الذي وصف وضعه المعيشي بعبارة يملؤها الندم “توقعت أن حصولي على قرض لشراء شقة بداية لتحسين وضعي المعيشي، غير أن القسط الشهري بات يؤرقني بشكل كبير، بل وسيلاحقني حتى مماتي”.
والخطيب يمتلك شقة صغيرة مساحتها (140) مترا في منطقة طبربور وسط عمان بقسط شهري يصل إلى 564 دولارا شهريا، ولعشر سنوات، مع دفعة أولى تجاوزت 15 ألفا.
الأربعيني الذي يعمل موظفا بالقطاع الخاص يدخل في مرحلة جديدة لتسجيل ابنه الأكبر في الجامعة، لكنه يرى أن راتبه الشهري لم يعد يكفي لتأمين مصاريف عائلته المكونة من خمسة أفراد فقط.
أكثر من مليون مقترض
قصة الخطيب لا تختلف كثيرا عن آلاف المقترضين من البنوك البالغ عددهم ما بين مليون ومئة ألف مقترض عام 2018، ويشكلون ما نسبته 16.6% من إجمالي عدد السكان.
وقد احتل الأردن -بالاشتراك مع لبنان- المرتبة الثالثة بين الدول العربية في هذه النسبة، وفقا لتقرير الاستقرار المالي الصادر عن البنك المركزي.
وحسب التقرير، بلغ الدخل السنوي للأسر خلال عام 2018 حوالي 22.8 مليار دولار، في حين بلغت مديونية الأفراد 15.2 مليارا حيث انخفضت نسبة مديونية الأفراد إلى دخلهم لتصل الى 66.6%.
ويؤكد مدير دائرة الاستقرار المالي في البنك المركزي محمد العمايرة أن متوسط العبء الشهري لمديونية الفرد نسبة لدخله -والذي يقاس بقيمة الأقساط والفوائد الشهرية التي يدفعها المقترض- بلغ حوالي 40% من إجمالي الدخل الشهري للمقترض خلال 2018.
ويضيف العمايرة للجزيرة نت أن النسبة تعتبر مقبولة وفقا للمعايير الدولية، خصوصا أن نسب التعثر في سداد القروض لدى البنوك تصل إلى 4.5%.
ويشير إلى أن الهدف من الإقراض التسهيل على المواطنين مما ينعكس على الاقتصاد، في ظل انخفاض مخاطر مديونية الأفراد، لكن على البنوك دراسة التوسع في مخاطر إقراض الأفراد.
انتعاش سوق الإقراض
وخلال الفترة الماضية، تصاعدت ظاهرة الاقتراض، وبصورة عميقة وغير مسبوقة بين شرائح المجتمع. ويطفو على السطح ما بات يسمى “مؤسسات التمويل الصغيرة” التي تعمل على إقراض المواطنين الذين لا يملكون رواتب شهرية أو دفعات مالية.
التسهيلات المالية المقدمة من مؤسسات التمويل دفعت بالأردنيات للإسراع صوبهم، في سبيل الحصول على قروض صغيرة تحلحل عقدة الظرف المعيشي الصعب.
وبلغ عدد المقترضين من تلك المؤسسات نحو 420 ألف مقترض منهم 330 ألف امرأة، أي ما يقدر بـ 71% حسب التقرير الربيعي الصادر عن شبكة تنمية.
وتلاحق القروض التي تسهلها البنوك والمؤسسات المالية المصرفية المواطن باختلاف أنواعها، ومنها: “قرض الطالب، قرض المرأة، قرض الزواج، قرض تمويل بناء منزل، قرض الشركات”.
ويكشف أحد العاملين بإحدى مؤسسات التمويل الصغيرة أنها تقدم قروضا شخصية للأفراد تتراوح نسبة الفائدة فيها ما بين (15-20%) للتعليم والزواج والصحة، غير أن المقترضين يكون لديهم في الغالب غايات مختلفة، في أغلبها تسديد فاتورتي الكهرباء والماء أو حتى تسديد قروض أخرى.
ويقول منير ادعيس المدير التنفيذي لجمعية معهد تضامن النساء إن مديونية الأفراد لدى البنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية ارتفعت من 14.6 مليار دولار عام 2017 الى 15.2 مليارا نهاية عام 2018 وبنسبة 3.7%.
ويضيف أن نسبة المديونية ارتفعت 4% لدى المؤسسات المالية غير المصرفية، وتجاوزت لأول مرة حاجز 1.4 مليار دولار نهاية عام 2018.
مخاطر اجتماعية
وشكلت ظاهرة إقراض الأفراد من المؤسسات المالية المختلفة مخاطر اجتماعية مختلفة، وأدت زيادة وتيرة الحصول على القروض الصغيرة من مؤسسات التمويل إلى ظهور ما عرف بـ “الغارمات” وهن النساء اللواتي لم يلتزمن بدفع الأقساط الشهرية مقابل القرض. كما حبس عدد كبير منهن، وجرت ملاحقة أخريات قضائيا.
ويتحدث المدير التنفيذي لـ “تضامن” أن الوضع الاقتصادي الحالي زاد من وتيرة الإقراض لدى الافراد، والسبب الرئيسي اختلاف الغايات مما خلق أزمات اجتماعية أبرزها التفكك الاجتماعي داخل العائلة الواحدة، وشعور المقترض بالخوف المستمر في حال عدم دفعه القسط الشهري، وحتى وصوله إلى اقتراض لدفع قرض آخر.
ويشير مؤشر “إبسوس لثقة المستهلك” إلى أن كل ثلاثة من أصل خمسة مواطنين (60%) يشعرون بالقلق حيال وضعهم المادي الراهن، ويشعر كل أربعة من أصل خمسة مواطنين (80%) بعدم الارتياح لقيامهم بالمشتريات المنزلية المعمرة.