كَتَبْتُ يوماً؛ واستغرَبَ ذلك كثيرون، إن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ستضطر محرَجةً لاستخدام الفيتو لحماية “نظام الأسد” لو لم تقم روسيا بوتين بفعل ذلك؛ وأزيد اليوم أن أمريكا – لو لم يتدخل بوتين عسكرياً في أيلول 2015 لإنقاذ “النظام” من الاندحار والانهيار – لكانت تدخلت من أجل هذا الغرض بالذات؛ فبشار الأسد كما قِيل- على ذمة الناقل- لم يغب عن أنظار الأمريكان أكثر من ساعة؛ حيث قال مَن نقل إنه غاب مرة ربع ساعة فتسبب ذلك باستنفارات في مكان ما. قيل أيضاً إن اسرائيل لا يمكنها أن تتدخل مباشرة للقيام بعملية الانقاذ إياها ، فلا هي تمتلك حق النقض في مجلس الأمن ، ولأن تدخلها عسكرياً أمر خارج ما تسمح به قواعد اللعبة.
عاش هذا النظام لعقود تحت يافطة “مقاومة وممانعة اسرائيل”. لقد جرَّ حزب حسن نصر الله بالمعية ونمّاه بتبعية إيران تحت اليافطة إياها.
بعد زيارة نتنياهو الأخيرة إلى موسكو وبعد تجلي تلك العلاقات الحميمة مع بوتين ، مقاومة وممانعة نظام الأسد وحسن نصر الله باتت في وضع غاية في الحرج. إن هم عادوا إلى دفاتر الزيف التي عاشوا على سطورها لعقود في “مقاومة وممانعة” إسرائيل، فإنهم يخاطرون بخسارة حامي الحمى ، بوتين ، وإن سلمّوا بهذه العلاقة بين من يقاوموه ومن يحميهم ، فهذا سقوط لآخر ورقة توت تخفي عورتهم التاريخية. ثم يأتي إهداء بوتين لنتنياهو تلك الدبابة التي غنمتها سورية في معركة السلطان يعقوب مع إسرائيل عام ثمانين صفعةً في وجه من احترفوا الكذب والتزوير.
في زيارته القادمة لموسكو لا بد للسيد نتنياهو من هدية أخرى ، وفي تلك المرة ، لا بد أن تكون الهدية رفاة الجاسوس كوهين. الرفاة التي لن يتجرأ حتى الاسرائيليون على المطالبة بها ترقد في القرداحة ، تلك الرفاة التي لا تزال تحكم سورية من قبرها. وربما تكون أكثر رمزية من رفاة كوهين ذاتها. ومع مرور الزمن ستتكشف أكثر فأكثر أهمية تلك الرفاة القرداحية.
إن أهم ما فعلته ثورة أهل سورية هو نسف أكاذيب عمرها عقود. ومؤخراً، غياب أي ذكر لفلسطين. وعدم التطرق للجولان وإسرائيل ، في خطاب رأس النظام أمام مجلس المهرجين المصفقين يعني شيئاً واحداً وهو النأي بالنفس عن أرضٍ سوريةٍ احتلتها إسرائيل عام 1967، ويعني أنها كانت ثمناً لاستمرار النظام ومن ثم توريثه؛ وما كان يوماً بوارد استرجاعها؛ والآن لا يريد تطويبها علنياً لإسرائيل، خصوصاً بعد أن عقد نتنياهو جلسةً لمجلس وزرائه على أرضها ، وخصوصاً بعد انكشاف عمق العلاقة الروسية الإسرائيلية ، وخصوصاً بعد هدية بوتن لنتنياهو. كل ذلك جعل الأسد يتصور أنه وقع صك تنازل غير معلن عن الجولان مقابل استمراره في السلطة.
عندما يكون تدمير سورية مطمحاً إسرائيلياً- إن انتهى هذا النظام الذي حمى حدودها الشمالية لعقود- ألا يمكن للمرء أن يقرأ لماذا دمر هذا النظام سورية. لقد اعتقد هذا النظام أن تدميره لسورية هو بوليصة التأمين على بقائه بحكم أن هذا الهدف إسرائيلي ، وبرضاها عن فعلته يمكنها أن تبقيه على قيد الحياة ، وهذا ما كان له ، ومن هنا امتداد المأساة السورية.
يبقى هذا الأمر منافياً لكل ما هو طبيعي. الطبيعي بقاء الشعب لا السلطة المتحكمة بأمره؛ وهنا تكمن ليس مأساة هذا النظام، بل مأساة إسرائيل ذاتها ، فهي إن جنت الكثير على المدى القريب إلا أنها ستحصد نتائج إجرامه وإجرامها في آن معاً ، ويَرجعُ الفضل في كشف ذلك وإثباته ، للدم السوري الطاهر.
أرضُ سورية ، كل سورية ، شرفُ وطن ، لا يحق لفرد كائناً من كان ، أن يتنازل عنه ، وعلى عكس ما يعتقد بشار الأسد ، إن خطوةً كهذه ستسرع برحيله عبر انكشاف وقح ونذل ولا وطني غير مسبوق ، ومن يعش ، يرى.
كلنا شركاء