جنيف (رويترز) – يبدو أن محادثات السلام السورية المقررة يوم الاثنين في جنيف ستواجه صعوبات كبيرة في ظل عدم استعداد أي طرف لتقديم تنازلات بشأن القضية التي تأتي في محور الصراع القائم منذ خمس سنوات والمتعلقة بمصير الرئيس بشار الأسد.
وتجرى المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة بدعم روسي وأمريكي في إطار أول جهود دبلوماسية جادة لإنهاء الصراع منذ تدخل موسكو الجوي في سبتمبر أيلول الماضي والذي رجح كفة الحرب لصالح الأسد.
ومع اقتراب الأزمة من الذكرى الخامسة لها هذا الأسبوع تبدو الدول الغربية أكثر تصميما من أي وقت مضى على إنهاء الحرب التي دفعت مئات الآلاف من اللاجئين باتجاه أوروبا وساعدت في ظهور تنظيم الدولة الإسلامية وتنامي نفوذه.
لكن في حين أسهم التعاون الأخير بين الولايات المتحدة وروسيا في تخفيف حدة العنف وجلب الأطراف المتنازعة إلى جنيف فإن موقفي المعارضة والحكومة يشيران إلى عدم وجود توافق يذكر للتوصل إلى تسوية عبر المفاوضات.
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن المعارضة السورية المسلحة استخدمت صاروخا مضادا للطائرات لإسقاط طائرة حربية سورية يوم السبت مما يشير إلى تصعيد محتمل في الحرب حال عدم تحقيق أي تقدم.
وقال مسلحو المعارضة إنهم أسقطوا الطائرة بقذائف مضادة للطائرات وليس بصواريخ وهي الأسلحة التي تسعى المعارضة المسلحة للحصول عليها لكن الغرب يريد إبقاءها بعيدا عن متناولها كي لا تشكل تهديدا محتملا للطيران المدني إذا سقطت في يد المتشددين.
ومما يعكس الثقة التي تتمتع بها حكومة دمشق نبّه وزير الخارجية السوري وليد المعلم المعارضة يوم السبت بأنها ستكون واهمة إذا اعتقدت أنها ستتسلم السلطة على طاولة المفاوضات واستبعد إجراء أي محادثات تتناول الرئاسة.
في الوقت نفسه فإنه ليس للمعارضة أمل يذكر في أن تقربها مفاوضات جنيف من هدفها المتمثل في الإطاحة بالأسد.
ولدى إعلان قرارها بحضور المحادثات قالت الهيئة العليا للمفاوضات إن الحكومة تجهز لمزيد من القتال.
وعبرت الفصائل المسلحة عن استعدادها للقتال رغم الخسائر التي منيت بها في الآونة الأخيرة. وتأمل أن يرسل لها داعموها وخصوصا السعودية أسلحة أشد فتكا تشمل الصواريخ المضادة للطائرات في حال انهارت العملية السياسية.
وقال بشار الزعبي وهو أحد الشخصيات البارزة في المعارضة “أتوقع الآن أن تشكل هذه الجولة إذا تعنت النظام ولم يقدم شيء حقيقي نهاية المحادثات والعودة إلى الحل العسكري.”
وقالت وزارة الدفاع الروسية إن نظاما دفاعيا مضادا للطائرات استخدم في إسقاط الطائرة الروسية طراز (ميج-21).
وقال محمد علوش رئيس المكتب السياسي لجماعة جيش الإسلام المعارضة “روسيا تريد اتهام أصدقاء الشعب السوري بدعمه بالصواريخ وهذا لم يحصل.”
وأضاف أن جميع الفصائل تطالب بالوسائل للدفاع عن المدنيين من الطائرات الحربية والبراميل المتفجرة.
*المعارضة باتت أضعف
وقررت الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل المعارضة الرئيسية المشاركة في المحادثات في ظل تغير ميزان القوة لغير صالحها في أعقاب التدخل الروسي وزيادة الدعم العسكري للأسد من إيران حليفته الرئيسية الأخرى.
وعبرت الهيئة عن مخاوفها مما اعتبرته تساهلا في الموقف الأمريكي بشأن سوريا معتبرة أن واشنطن قدمت تنازلات لروسيا.
وقال المسؤول في الهيئة العليا جورج صبرا في جنيف إن الموقف الأمريكي غامض حتى بالنسبة لحلفائها.
وقالت الهيئة العليا للمفاوضات إن المحادثات يجب أن تركز على تشكيل هيئة حكم انتقالية تتمتع بصلاحيات تنفيذية كاملة وتطالب بضرورة رحيل الأسد مع بداية فترة الانتقال السياسي.
غير أن المعلم رسم صورة مختلفة تماما للفترة الانتقالية يوم السبت مشيرا إلى أن جل ما ستقدمه الحكومة السورية هو تشكيل حكومة وحدة وطنية بمشاركة المعارضة ووضع دستور جديد أو تعديل الحالي.
وكان وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال يوم السبت إن حكومته لن تناقش مسألة انتخابات الرئاسة في محادثات السلام التي تجري في جنيف هذا الأسبوع أو تعقد مباحثات مع أي طرف يرغب في مناقشة مسألة الرئاسة. وانتقد جدول الأعمال الذي أعلنه المبعوث الدولي للأزمة السورية ستافان دي ميستورا ويتضمن الانتخابات.
وقال وزير الخارجية الأمريكي جون كيري يوم الأحد إن تصريحات المعلم تهدف إلى “تخريب ” العملية السياسية.
وأضاف وزير الخارجية الأمريكي أن الحكومة السورية وداعميها يخطئون إذا ما اعتقدوا أن بوسعهم الاستمرار في اختبار حدود هدنة هشة ووصف تصريحات المعلم بأنها محاولة واضحة “لتعطيل العملية”.
وقال كيري متهما القوات السورية بارتكاب معظم الانتهاكات لاتفاق وقف الأعمال القتالية إن على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن ينظر كيف يتصرف الرئيس السوري بشار الأسد.
وتابع “لذلك يتعين على الرئيس بوتين الذي راهن على دعم الأسد بتعهد كبير -وأحدث ذلك فرقا واضحا على ساحة القتال- أن يشعر ببعض القلق من حقيقة أن الرئيس الأسد أرسل وزير خارجيته يوم السبت كي يتصرف كمخرب ويسحب من على طاولة (المفاوضات) ما وافق عليه الرئيس بوتين والإيرانيون.” وأضاف “هذه لحظة صدق.. لحظة يتعين علينا جميعا أن نتحلى فيها بالمسؤولية.”
*وضع كارثة على الجميع
وكررت روسيا موقفها بضرورة دعوة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري الذي يتمتع بنفوذ واسع في شمال سوريا إلى المفاوضات.
واستُبعد الحزب الكردي من المفاوضات بناء على رغبة تركيا التي تعتبره امتدادا لحزب العمال الكردستاني الذي يتمرد عليها في جنوب شرق البلاد.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن موسكو تملك دليلا على أن القوات المسلحة التركية تتواجد على الأراضي السورية واصفا الخطوات التركية بأنها “توسع تدريجي”.
ولم يصدر عن السلطات التركية رد على الاتهام الروسي لكن أنقرة نفت مرارا في السابق تخطيطها للتوغل في الأراضي السورية.
وعلى الرغم من عدم دعوته قال زعيم حزب الاتحاد الديمقراطي صالح مسلم لرويترز إنه يأمل ألا تنهار المفاوضات مضيفا أن “العواقب ستكون كارثة على الجميع إذا فشلت.”
وقال عدد من مسؤولي المعارضة إن أقصى آمالهم على الصعيد السياسي هو أن تجبر روسيا الأسد على الرحيل لكن مصدرا مقربا من دمشق استبعد هذا الأمر.
وقال الصحفي شريف شحادة من دمشق “أعتقد أن الجانب السوري يقوم بخطوات جادة نحو الحل ونتمنى من الجانب الآخر أن يكون كذلك.”
وأضاف “إذا كانت المعارضة جادة وتريد أن تجلس إلى الطاولة .. فسينجح الحوار وإذا كانت تأتي حاملة أجندة خارجية فسيعود (وفد الحكومة) بأقل من 24 ساعة.”