يعتقد عالم الفيروسات الأميركي ناثان وولف أن فيروس كورونا المستجد المعروف باسم “كوفيد-19” لن يكون آخر جائحة في عالمنا الشديد الترابط، وللأسف لن يكون هو الأسوأ.
ويقول وولف -وهو أيضا مؤسس “ميتابيوتا”، شركة تحليلات تستخدم البيانات لرصد مخاطر الأوبئة- إن أمامنا مستقبلين مختلفين اختلافا كبيرا، أحدهما نضع فيه رؤوسنا في الرمال كما فعلنا باستمرار، وآخر تأخذ فيه البشرية خطوات صعبة وضرورية لحماية نفسها.
ويضيف في مقاله بمجلة تايم الأميركية، “في عالم نسلك فيه طريق المرونة سنقضي على تجارة الحيوانات البرية عالميا ونمنع وقوع أوبئة كثيرة من البداية، حيث إن معظم الأوبئة الفيروسية تنتشر من الحيوانات البرية وخاصة الوثيقة الصلة بنا مثل الثدييات”.
ويرى الكاتب أن القضاء على تجارة الحيوانات البرية سيقلل من التداعيات بقطع الصلة بين الحيوانات البرية والمدن المكتظة، ورغم أن هذا الحظر لن يقضي تماما على الاتصال بفيروسات الحياة البرية فإننا في مستقبل مرن سنعرف عدونا بشكل أفضل مما نعرفه الآن، وذلك بفضل علماء الفيروسات الذين يستكشفون حاليا أكبر عدد ممكن من الفيروسات ويدرسونها.
750 ألف فيروس
ويشير إلى أن علماء الفيروسات يقدرون أن الحيوانات البرية تحمل ما يقرب من 750 ألف فيروس لها القدرة على إصابة البشر. وقد يبدو هذا عددا كبيرا، لكن الجهود التجريبية الدولية أثبتت جدوى إجراء جرد شامل لهذه الفيروسات. وسيتكلف الجهد العالمي المتوقع والمسمى “مشروع الفيروم” مليارات الدولارات وسيفعل للأوبئة ما فعله مشروع الجينوم البشري للطب، مما يزود العالم بمعرفة تفصيلية بالفيروسات التي تسبب أوبئة المستقبل.
ويرى أنه وفي مستقبل مرن ستؤدي الحالات المبكرة لتفشي المرض إلى الإفراج الفوري عن الأموال للسيطرة عليه عن طريق سياسات التأمين السيادية ضد الوباء أو على المستوى الإقليمي.
وبحسب الكاتب تتداخل النقاط الساخنة العالمية حيث ظهرت الأوبئة تاريخيا في أقل البلدان نموا في العالم. واليوم يمكن أن تجعل القيود المالية الخطيرة من الصعب على القادة في هذه البلدان الاستجابة لتفشي المرض في الوقت المناسب. ومعروف أنه عندما يتراجع السياسيون تشتعل الأوبئة، ولكن في مستقبل مرن لن يحدث هذا، وبدلا من ذلك ستتدفق الأموال المخصصة تلقائيا إلى جهود الاستجابة السريعة المبرمجة مسبقا.
ويقول الكاتب إن العالم الحديث يعتمد إلى حد كبير على شركات التوظيف، ولكن هذه الشركات باغتها فيروس كورونا المستجد بشكل رهيب، مما أدى إلى فقدان غير مسبوق في الوظائف.
ولكن في مستقبل مرن سوف يتغير ذلك ويعرف القطاع الخاص بالفعل كيف يحمي نفسه من الأحداث الكارثية.
وبالنسبة لمجموعة من الكوارث -بما في ذلك الأعاصير والزلازل والفضاء الإلكتروني والإرهاب والفيضانات- ستكون لدى الشركات خطط مرنة وتأمين لإدارة انكشافها ولكن ليس للأوبئة.
وفي مستقبل مرن سيكون لدى الشركات مسؤولون عن مخاطر الأوبئة لفحص تقييمات المخاطر بالشركة وتطوير خطط تخفيف مصممة خصيصا، والحصول على شهادات التأهب المستقلة للوباء، وسيكون لديهم أيضا تأمين، وفق رؤية الكاتب.
حصانة رقمية
ويقول الكاتب إن الحكومات في جميع أنحاء العالم ستنشئ دعامات مماثلة للتأمين ضد الوباء، مما يتيح لشركات التأمين التكيف مع واقع ما بعد فيروس كورونا المستجد. وسوف تتعلم شركات التأمين تحمل الكثير من العبء مما يقلل من تكلفة دافعي الضرائب عندما تضرب الجائحة المقبلة.
وفي مستقبل مرن، ستستفيد الحلول المستقبلية من التقنيات غير الموجودة أصلا والمحيرة للعقول. والمستقبل المرن على سبيل المثال بحسب الكاتب سيتضمن جوازات حصانة رقمية لم يكن من الممكن تصورها قبل عشر سنوات. وإذا كان هناك تطبيق يمكن أن يكون آمنا بما يكفي لتخزين واستخدام معلومات بطاقة الائتمان، فيمكنه فعل الشيء نفسه للحصول على نتيجة معملية.
ومثل بطاقات التحصين ضد الحمى الصفراء التي يحتفظ به الأشخاص داخل جوازات سفرهم، فإن هذه التطبيقات ستشهد على حصانة الأفراد ضد الفيروسات التي طُعموا ضدها. كما ستربط بنتائج الاختبارات التشخيصية حتى يتمكن الأفراد عند التعافي من العودة مرة أخرى إلى القوة العاملة.
ويرى الكاتب أن هذه الأنظمة ستمنح الأفراد ومجتمعاتهم الثقة للعودة إلى حياتهم الطبيعية بشكل أسرع، وستقدم البيانات للمسؤولين الصحيين خرائط المناطق المهددة في الوقت الحقيقي كاشفة لهم المناطق التي تحتاج إلى الحجر الصحي والأماكن التي تحتاج إلى تركيز جهود التطعيم فيها.
ويختتم وولف مقاله بمجلة تايم الأميركية بالقول، إنه من الصعب أن تكون متفائلا خلال واحدة من أشد الأزمات في العصر الحديث. فتخيل أن هذا الوباء حدث قبل عشرين عاما، عالم لم ينتشر فيه الإنترنت وأنظمة العمل عن بعد والتجارة الإلكترونية، ولم تظهر فيه خدمات التوصيل. عالم غير مؤهل لاكتشاف تفش وتعقب فيروس في أيام وجدولة التشخيصات في أسابيع واللقاحات في أشهر.
ثم تخيل أنه الآن مع كل هذه الأدوات تدرك البشرية تماما حجم المخاطر التي تواجهها وتسخر قدرتها الرائعة للتكيف والابتكار لحماية نفسها من الأوبئة المستقبلية. هذا هو المستقبل الوحيد الذي يمكننا اختياره ويمكن أن يبدأ الآن إذا أردنا ذلك.
نقلا عن الجزيرة