تسعى الأطراف الدولية اليوم لإعادة المناطق المحررة الخارجة عن سيطرة النظام السوري والمليشيات المتحكمة به لحضن النظام العالمي، بحلة وترتيبات أخرى ،أو تتركها للتدمير والقتل والتهجير.
كان من الممكن أن تترك تلك المناطق لتمارس ما تريد، وتعيش كما يحلو لها ، على هامش الحياة ،لو كانت بغير هذه البقعة، ولولا أنها تقبع على هذه الأرض ،و الكنوز تجري من تحتها، التي لا يستغني العالم عنها، بل يخوض الحروب لأجلها.
إنه الغاز والنفط وغيرها من الثروات، فيسعى منذ عقود للتحكم بها، واستعمارها . وكل المشاريع والسيناريوهات التي يرسمها للسيطرة عليها، لم تكن لتحدث إلا بإرادة الله وعلمه .
وينقسم خلق الله بين الراضي المستسلم لتلك الإرادة، كمريد صوفي في يد أستاذه ،يقلبه كيف يشاء ،واضعا نصب عينيه الحكمة (ليس بالإمكان أبدع مما كان ) . أو معترضا مجاهدا لتلك القوى، التي يرى فيها عداوة الإسلام، التي تعيق انتشاره ،وتريد نهب خيراته فعزم على محاربة العالم أجمع, و إن تكالب عليه .
وفئة أخرى عظيمة تتقلب بين هذا وذاك، تنظر بعين إلى المصلحة ، وعينها الأخرى ترقب وتحذر المفسدة العظيمة التي ستترتب على التعنت ،التي وصفها النبي عليه الصلاة والسلام ((فإن المُنْبَتَّ لا أرضا قطع، ولا ظهرا أبقى)) فتحاول إمساك العصى من الوسط، لا تريد أن تخسر مزيداً من الرجال الصادقين، نواة الدولة المسلمة القادمة , ولا تريد العودة إلى الكهوف في الجبال لعشرات السنين ،همهم بعض الطعام والشراب يسد رمقهم .
ولا أن تترك النساء والأطفال أكثر في مخيمات الذل وبين جمعيات التبشير والاندماج والانفتاح ترى أن دفع تلك العائلات بلا معيل لأحضان الغرب، ليتحكم بمصيرها وبقوتها وإسلامها ، كمن يدفع بأخيه للنار. فيحاول البقاء على الأرض ،والتفاوض عن إخوانه، مع تلك القوى ليس لديه خطة انسحاب من أرضه لأرض أخرى في حال فشله، فمشروعه ارض الشام ودفع الصائل لا جلب أعداء جدد، ويستفز مجانين العالم كلها ويغريهم بدماء أتباعه ،ويزج كل يوم دولة جديدة لصفوف أعداءه .
فيحكم حصار جنوده، فلا يخرج منهم إلا طويل العمر، حتى إذا ضاق الخناق على الرفاق، صرخوا بالمظلومية وبالتآمر عليهم. وتصبروا بحديث تكالب الأمم على قصعتهم ،ثم يصبحوا ليبحثوا عن بقعة أخرى ،ويعيدوا فيها الكرة.
فهل نستفيد من التجارب الأخرى ونبني عليها، أم نهدم كل شيء فوق رؤوس أهلنا، ثم ندوسهم ونستعد للرحيل؟!.
حليم العربي- المركز الصحفي السوري