بداية لن أخوض إلا في ثلاثة كوارث من بين آلاف الكوارث التي حلت على بلد الكرامة سوريا.
الكارثة الأولى و هي أهم من ألف ثورة, جيل الورود الذي يُدمَّر أمام مرأى العالم:
من أين نبدأ ومتى ننتهي مما يحصل في بلد العزة و الكرامة من تدمير ممنهج لعقل وفكر الإنسان السوري ومن أجل ماذا ؟ من أجل كرسي مرصع بالزخرفات و منجد من القماش الفاخر يجلس عليه شخص نهايته حفرة في الأرض بطول مترين و بعرض متر واحد توضع فوقه الأحجار ويُردم من فوقه التراب فيأتي آخر يجلس عليه ونهايته هي نفسها فلو دامت لغيره لما مات .
الحجر يُعمَّر و البنية التحتية تشيَّد و الاقتصاد يُنمَّى
لكن
من سيقوم ببناء الإنسان السوري الذي سيعمر هذه البلد ويطورها و ينميها ؟
من سيتحمل فاتورة الدماء الطاهرة التي هُدرت ؟
من سينقذ جيلاً بعمر الورود لم يتبقى نوع من الصواريخ و القذائف إلا و حفظ اسمها و تأثيرها المدمر لأنها دمرت بيته و بيت جيرانه وبيوت حيه كله ولم يتبقى لهم إلا خيمة صغيرة نصبوها في العراء كي تقيهم برد الليل و حرَّ النهار ؟
من سينقذ جيلا وُلِد في مخيمات اللجوء تحت سطوة من لا يخاف و لا يرحم ؟
من سينقذ جيلاً يبيع المناديل على أزقة الطرقات في بلدان اللجوء ليكفي نفسه و عائلته قوت يومه أو يعمل ابن الإحدى عشرة سنة بمسح الأحذية ( هذا رجل بألف رجل كي لا يجلس على قارعة الطريق ويمدَّ يده للناس فبمثله تعمَّر البلدان ) ؟ من سينقذ هذا الجيل البريء ؟
نعم, الكرسي أهم من بناء هذا الجيل بل تدميره أصبح واجباً مقدسا !!!
نعم, لقد وصلت الأمور إلى هذا الحد فتدمير عقل هذا الجيل أصبح أهم من الموت نفسه !!!
جيل كامل على شفى حفرة من الهاوية ولا يوجد من ينقذه من الوقوع في هذه الحفرة المظلمة
فنظام المخابرات في الأساس لا يأبه لا لكبير ولا صغير ولو كان يأبه لما أطلق رصاصة واحدة منذ البداية و وصلنا إلى هذه الحال لكن الكارثة على من حسبوا أنفسهم على ثورة الفكر و الكرامة ويسرقون قوت هؤلاء ليل نهار غير آبهين إن جاعوا أو تشردوا فكل دولار واحد يدخل للجيبة أحسن من ألف ثورة بنظرهم أي ( من تحت الدلف لتحت المزراب ) لم يتغير شيء و الخاسر الوحيد هو الشعب الذي أصبح بلا مأوى أو ملاحق من الأمن العسكري في دمشق وغيرها من المدن التي تحت سطوة النظام .
بنظري هذه أكبر فاجعة ألمت ولازالت تلاحق الجيل السوري الصَّاعد منهم و المثقف وكله فداءً لــ ” الكرسي “.
أما الكارثة الثانية جيل الشباب من يُقاتل و من يهاجر والخاسر هي البلد:
ما يحدث في سوريا اليوم إما أن تقتل أو تُقتل وهذا منطق لا يتبعه إلا النظام المخابراتي الفاسد القابع في دمشق . أي أن الشاب السوري اليوم مسيَّر لا مخيَّر والحل إما أن يذهب لمناطق المعارضة ويقاتل معها أو يهاجر خارج البلاد لحياة أفضل والهجرة أصبحت مشروع عمر أي شاب سوري أي أنه ترك ما ترك وراءه داخل البلد ليجد ما هو أفضل فكرامة السوري داخل البلاد منذ عهد أسد الأب وحتى اليوم بلا أي قيمة حتى المؤيدين لهذا النظام أصبحوا يهاجرون كي لا يقتلوا في سبيل كرسي الابن القاصر فالشاب إما يخسر حياته أو يخسر وظيفته أو يخسر كل ما يملك لذا اختار أن يتخلى عن كل شيء مقابل حياته . هذا بشكل عام دون الدخول في تفاصيل . وهذا يحصل لعيون ” الكرسي “.
الكارثة الثالثة تتلخص بعنوان :” الزواج يدقُّ ناقوس الخطر و العنوسة على الأبواب “:
عندما تقرأ المنشور الآتي الذي نُشِر على إحدى صفحات النظام ” يوميات قذيفة هاون ” والذي نشرته إحدى الفتيات القاطنات في دمشق تقول فيه :
“(( عم بمشي بالطريق وعم بتلفت يمين وشمال ماعم شوف شباب .. الباصات والسرافيس بطلع جواتن ما بلاقي غير نسوان… حاسة حالي انتقلت لكوكب تاني خاص بالنساء… معقول هيك صار بالعالم بس مجرد قرار وطلع… لك المشكلة خدو على حواجز طيارة هلأ… وما عد تعرفي مين هاد ولا مين هاد… بس بوقفو الشب وبقلولو انت مطلوب احتياط.. وأحيانا بكونو هدول الناس هنن عصابة نصب واحتيال مالهن لا من الجيش ولا من الأمن…
وببلش هالشب اتصالات واستغاثات ليجو اهلو يفكوه .. واديش اندفع الله وحدو بيعلم…. كلو عم يستغل كلو علماً… بإنو الشب بعد يومين تأكد من شعبة تجنيدو إنو مالو مطلوب إحتياط…. واصلاً نسي حالو إنو وحيد من حلاوة الروح… بالنهاية لصالح مين هالشي ومين المستفيد الله بيعلم .. والشكوى لغير الله مذلة ))
تجد نفسك مضطراً للخوض في هذا الحديث و تحضر من الذاكرة ما حدث لألمانيا فترة الحرب العالمية الثانية يحدث لنا إلا أن الفارق بسيط هو أن ألمانيا ستستفيد من هذه الهجرة و استقطاب الشباب المهاجر لتعويض النقص الحاصل لديها في هذه الفئة المهمة وسيحصل – والأيام ستبين ذلك – تضييق عليهم من خلال سن قوانين مجحفة بحقهم ليضغطوا عليهم فعندها لا مهرب لهم إلا أن يتزوجوا من مواطنات ألمانيات كي يُفلتوا من التضييق وهذا هو هدف القوانين أن يتزوجوا من مواطنات ألمانيات لترتفع عندها معدلات الزواج و الإنجاب فالهدف هو إثراء بلد مثل ألمانيا بمواليد ذكور غير آبهة سواء كان من أب أجنبي أم من أب ألماني المهم أن تزداد نسبة الذكور فيها . فلم تسمى أوروبا بالقارة العجوز من فراغ و ذكرت ألمانيا كمثال .
إذاً ستستفيد ألمانيا من الشباب والمتضرر الوحيد هي الفتاة السورية التي ستعاني الأمرين وهذا ظلم لها لكنها لم تُظلم إلا لما ظُلِم الشباب نتيجة تعنت أشخاص وإصرارهم على التمسك ” بالكرسي ” الذي دمَّر البشر و الحجر .
أجل, لخصت الفتاة ما شاهدته بسطور قليلة لكن الكارثة أكبر و أعظم من أن تُكتب في مجلدات فهو تدمير لفئة الشباب بشقيها ذكورا و إناثا وهذا هو التدمير الممنهج الحقيقي أن يُقتل العقل بداية و بحرمان البلد من التطور الإنساني نهاية.
لكن أقول لهذه الفتاة و أقولها لكل من وقف بجانب الظالم و لو بكلمة :
من الذي جعل البلد عبارة عن ” كوكب زمردة ” ؟؟
أُجيبها : عندما تقفون بصف الحق و المظلوم و تخلعوا مختار حي المهاجرين من على كرسيه خلعاً و يُحاكم كل مجرم على ما اقترفته يده في سفك الدم السوري عندها ستعود الأمور إلى نصابها و أفضل .
لكن أيضاً لا ننفي تورط أطراف ممن انتموا إلى الثورة بالاسم فقط لا بالفعل, فهم بأفعالهم السوداء مثلهم مثل النظام لاتفريق بينهم أحدهم سبب دمار البلد و الآخر سبب تدمير جيل خرج من ظلم إلى ظلم آخر ويبقى نظام المخابرات الأسدي أعتى و أسوأ في إجرامه على مر التاريخ .
المركز الصحفي السوري