سمعنا كثيرا من خلال مؤتمرات وخطابات لمسؤولي النظام عن إعادة إعمار سوريا من جديد بعد دحر الإرهاب والقضاء على المسلحين الذين يسعون لخرابها وتدمير بناها التحتية ومنشآتها الخدمية وزعزعة أمنها واستقرارها، إلا أن مفهوم إعادة الإعمار على مايبدو في الواقع يأخذ منحى مختلف عما يخيل لأذهاننا لدى سماعه، إذ نعتقد أنه يعني تعويض المتضررين من هذه الحرب وإعادة إعمار مساكن المدنيين التي تعرضت للقصف، لكنهم بعيدون عن هذا المقصد بعد السماء عن الأرض.
فقد نشرت وكالة الأنباء السورية “سانا” أن مديرية الخدمات الفنية في درعا رصدت مبلغا وقدره 857.480 مليون ليرة سورية، لتنفيذ مشروع إكساء مبنى المحافظة بالتعاون مع مؤسسة الإسكان العسكرية كجهة منفذة وفرع الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، وذلك يبين أن إعادة الإعمار تقتصر فقط على مؤسسات الدولة.
وبالرجوع إلى التكلفة التقديرية لمشروع الإكساء نجد أنها خيالية، ولعل سبب ارتفاعها يعود لانتقاء المسؤولين تجهيزات فاخرة تناسب مناصبهم، وقد تكون بأقل من ربع المبلغ إلا أنه يضرب ب4 ليعود الباقي بالنفع على جيوبهم، لكن السؤال المحير أين إعادة الإعمار في الموضوع وهل يشترط في ذلك صرف مبالغ خيالية لمبنى يضم ثلاثة طوابق؟؟
ونشرت إحدى الصفحات الموالية الخبر بطريقة ساخرة وعلقت عليه:” ربما هو جزء تمهيدي لإعادة الإعمار .. ربما قررت الحكومة تخصيص المبنى لآلاف المشردين .. علينا ألا ننسى القيمة الفعلية للمبلغ بعد تراجع سعر صرف الليرة السورية”.
وعلقت رؤى عبود على الخبر :” ليش خلصت الحرب بسوريا ليبلشوا إعمار؟ شو رأيها حكومتنا الموقرة تأمن لشعبا الأكل والدوا وبعدا تفكر بالإعمار”، وأضافت هناء صالح:” يروحو يكسو هالأجساد العريانة الي مابتكلفن أكتر من توب..بدل هالحيطان.الي بأي لحظه ممكن تنقصف ما ببطلوا قرارات اعتباطيه..”.
وكأن مسؤولي النظام نسوا أو ربما تناسوا أننا مازلنا غارقين في وحل الحرب، وأن هناك ماهو أهم من إكساء المحافظة، فمعظم القطاعات الخدمية والإنسانية تكاد تلفظ أنفاسها الأخيرة كالمشافي وخطوط الكهرباء وشبكات المياه والمدارس وغيرها، وهي بحاجة لخزينة الدولة أكثر من تلك النفقات التي لن تنفع سوى من يتربع على عرش مناصبها.
تقول هنادي وهي ممرضة في مديرية الصحة بادلب:” مضى تسعة أشهر وما زلنا ننتظر أن ترأف الوزارة لحالنا وتعطينا رواتبنا المستحقة، فقد أوقفت صرفهم بحجة الدراسة الأمنية وأن ميزانية الدولة غير قادرة على تغطية كافة الرواتب، وأنه كان يجب علينا أن نلتحق بمنطقة نظام بعد تحرير مدينتنا لنثبت ولاءنا لهم، ليس بغريب عنهم فالميزانية تستطيع تغطية نفقات إكساء مبنى ليس بالضروري، لكن مستحقات ورواتب الموظفين ليس لها خانة في قائمة الصرف وتحتاج لدراسة دقيقة لمعرفة جذور العائلة وما إذا كان لها صلة بالمسلحين أو بالثورة”.
إن كان النظام غافلا عن المعنى الحقيقي لإعادة إعمار سوريا، فذلك يكون بإيقاف القصف الوحشي بشتى أنواع الأسلحة، وفك الحصار عن المدنيين، ففاقد الشيء لايعطيه، كيف لمخرب أن يتحدث بالإعمار وهو المسبب الأكبر للدمار وتهجير المدنيين وسلبهم أبسط حقوقهم؟.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد