حذر دبلوماسي غربي بارز يوم الأربعاء من احتمال الفشل في استئناف مباحثات السلام السورية الهشة لعام كامل على الأقل إذا توقفت الآن بينما تطالب المعارضة بمزيد من الدعم العسكري بعد إعلانها انتهاء الهدنة.
وأصبحت الهدنة القائمة في سوريا منذ ستة أسابيع في خطر بسبب احتدام القتال على الأرض. وتوسطت الولايات المتحدة وروسيا للتوصل لهذه الهدنة لتمهيد الطريق لانطلاق أول مباحثات سلام تحضرها أطراف الصراع منذ أن بدأ قبل خمس سنوات.
ويبدو أن هذه المباحثات نفسها التي تجرى تحت رعاية الأمم المتحدة في جنيف قد انهارت هذا الأسبوع. وتقول المعارضة إنها أعلنت “تعليق” المفاوضات رغم أنها ترفض اعتبار انسحابها سببا لانهيار المفاوضات.
وقال الدبلوماسي الغربي الذي طلب عدم الكشف عن هويته وهو يصف سيناريو لا تزال القوى الدولية تأمل في تفاديه “إذا انتهت هذه المفاوضات الآن.. فستتوقف لعام على الأقل.. الروس سيهجمون بضراوة استغلالا لغياب الولايات المتحدة. سيزيد اللاجئون بواقع ثلاثة ملايين وسيقتل آلاف آخرون.”
وأضاف “إذا رحلنا جميعا عن جنيف.. فلا أرى أن هذه العملية ستستمر.”
ويقول وفد الحكومة السورية إن وضع الرئيس بشار الأسد غير مطروح للتفاوض بينما تعتبر المعارضة إزاحة الرئيس عن السلطة شرطا مسبقا وتشكو من عدم تحقيق أي تقدم على صعيد وقف العنف وإيصال المساعدات الإنسانية والإفراج عن المعتقلين.
ويراد بهذه المفاوضات وضع حد للحرب التي أودت بحياة أكثر من ربع مليون شخص وخلقت أكبر أزمة لجوء عرفها العالم وسمحت بصعود تنظيم الدولة الإسلامية وأدت لتدخل قوى إقليمية ودولية في الصراع. وقلب التدخل العسكري الروسي في أواخر العام الماضي الموازين لصالح الأسد.
وتتعرض الهدنة الهشة أساسا لانتهاكات كثيرة خلال الأسبوعين الماضيين قرب حلب حيث يتهم الجيش السوري جماعات المعارضة بالمشاركة في هجمات يشنها إسلاميون لا يشملهم وقف إطلاق النار. ويقول المعارضون إنهم يدافعون عن أنفسهم في وجه هجمات الجيش والجماعات الشيعية المتحالفة معه.
وقال دبلوماسيون غربيون إن مشاورات تجرى يوم الأربعاء لتقييم الحاجة لعقد اجتماع وزاري للقوى الكبرى خلال الأسبوعين المقبلين في محاولة لتعزيز آلية مراقبة اتفاق الهدنة.
وسيتسبب انهيار مباحثات جنيف في فراغ دبلوماسي قد يسمح بمزيد من التصعيد في القتال الذي أججته المنافسة بين القوى الأجنبية ومنها إيران والسعودية.
* مباحثات “عديمة الجدوى”
مع احتدام المعارك وتكثيف الغارات الجوية على مناطق يسيطر عليها المعارضون حثت المعارضة الدول الأجنبية على تزويدها بوسائل للدفاع عن النفس في إشارة مبطنة لأسلحة مضادة للطائرات لطالما سعت المعارضة المسلحة للحصول عليها.
وقتلت غارات جوية نحو 40 شخصا في سوق مزدحمة يوم الثلاثاء فيما قد تكون أكثر الهجمات دموية منذ بدء تطبيق اتفاق وقف الأعمال القتالية في فبراير شباط الماضي.
وقالت فرنسا إن الحكومة تدفع “بتهور” باتجاه العنف وتظهر رفضها لأي تفاوض على حل سياسي. ونقل التلفزيون الرسمي السوري عن مصدر عسكري نفيا لشن أي غارات جوية على مناطق سكنية.
وقال أنس العبدة رئيس الائتلاف الوطني السوري المقيم بتركيا إن مباحثات جنيف “عديمة الجدوى” وإنه لا أمل في مناقشة الانتقال السياسي.
وفي مؤتمر صحفي بث عبر محطات التلفزيون من اسطنبول طالب العبدة “بدعم كمي” لجماعات المعارضة وقال إن الحل يجب أن يكون “سياسيا-عسكريا.”
واقترب مبعوث الأمم المتحدة لسوريا ستافان دي ميستورا أكثر من أي مفاوض آخر من جمع أطراف القتال في مباحثات سلام بدأت الشهر الماضي بعد بدء تطبيق اتفاق الهدنة الجزئية.
لكن الجانبين أخفقا حتى الآن في تضييق هوة الخلاف بشأن قضايا كمصير الأسد وسيكون من الصعب إغواء المعارضة بالعودة لمائدة التفاوض إذا استؤنف القتال في ظل استفادة القوات الحكومية من الدعم العسكري في ميادين القتال.
واليوم الأربعاء يجتمع خبراء من أطراف الصراع في جنيف لكن رياض حجاب منسق الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل التيار الرئيسي للمعارضة انسحب من المفاوضات مع وفود بارزة بينما غادر دي ميستورا لأسباب عائلية. ولا يزال في جنيف نصف وفد المعارضة تقريبا.
وسخر بشار الجعفري رئيس الوفد الحكومي من الانسحاب الجزئي للمعارضة.
وقال للصحفيين “من يغادر جنيف يؤكد بما لا يدع أي مجال للشك على أنه غير ناضج سياسيا وأنه لم يفهم بعد الغرض من مجيئنا إلى جنيف.”
وأضاف “هؤلاء (الهيئة العليا للمفاوضات) أصلا لا يمثلون الشعب السوري بل العكس تماما ربما بذهابهم تُزال عقبة كبيرة ونصل إلى حل لأن هؤلاء مزيد من المتطرفين والإرهابيين.”
ويبدو أن جماعات المعارضة المسلحة تستعد لحرب أخرى. وقال فارس البيوش وهو عقيد يقود الفيلق الشمالي لجماعة مسلحة منضوية تحت راية الجيش السوري الحر متحدثا لرويترز “وضعنا على الجبهات مقبول حاليا ولكن ننتظر زيادة الدعم مثل ما وعدت الدول.. حتى نجبره (النظام) على الحل السياسي.”
وقال إنه لا عودة “قريبة” للمفاوضات.
وعلى صعيد آخر اتهمت روسيا المعارضة السورية يوم الاربعاء بالابتزاز بتعليقها المشاركة في محادثات السلام في جنيف.
وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان إن الأساليب التي تستخدمها الهيئة العليا للمفاوضات تظهر أنها غير قادرة على التوصل إلى اتفاق وأنها لا يمكن أن تكون الممثل الوحيد للمعارضة في المحادثات.
ووصف البيان اتهامات المعارضة للقوات الموالية للحكومة السورية بانتهاك الاتفاق الخاص بوقف الاقتتال والسماح بدخول الإمدادات الإنسانية بأنها مزاعم لا أساس لها من الصحة.
وتقدم دول مناوئة للأسد دعما عسكريا لجماعات معارضة عن طريق تركيا والأردن من خلال برنامج شمل تدريبات عسكرية تولتها المخابرات المركزية الأمريكية.
* مخاوف عميقة من تدفق جديد للاجئين
أبدت الأمم المتحدة قلقا عميقا يوم الأربعاء من مصير السوريين الذين يفرون من القتال قرب مدينة حلب في شمال البلاد.
وقالت الأمم المتحدة إن أكثر من 40 ألف شخص يعيشون في مخيمات ومناطق سكنية ومعسكرات بعدما شردهم القتال في الأيام الماضية وإن أكثرهم نزوحوا باتجاه الشرق صوب بلدة أعزاز الحدودية ذات الأهمية الاستراتيجية ومخيمي باب السلام وسيجو.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية في تحديث مساء الثلاثاء “أخذا في الاعتبار التدفق السابق لأكثر من 75 ألف نازح داخلي على منطقة أعزاز في يناير وفبراير.. يتوقع أن تتضاعف الاحتياجات الإنسانية.”
وتسببت الخسائر السابقة التي منيت بها المعارضة قرب الحدود التركية في صعوبة وصول هيئات الإغاثة الدولية إلى المدنيين لتتحول هذه المنطقة لواحدة من أكثر المناطق إثارة للقلق بالنسبة لمن يحاولون حماية المدنيين في سوريا من الضرر.
وتتهم المعارضة الحكومة بانتهاك اتفاق وقف الأعمال القتالية بغرض استعادة السيطرة على حلب أكثر مدن سوريا سكانا قبل الحرب والتي تنقسم في الوقت الحالي لمناطق تسيطر عليها الحكومة ومناطق تسيطر عليها المعارضة منذ سنوات.
وقالت منظمة أطباء بلا حدود إن هناك الآن أكثر من مئة ألف شخص عالقين على الجانب السوري من الحدود التركية بعدما فر 35 ألفا في الأسبوع الماضي من مخيمات استولى عليها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية أو أوشكت على السقوط بين أيديهم.
وقال حجاب منسق الهيئة العليا للمفاوضات في مؤتمر بجنيف يوم الثلاثاء إن النظام وحلفاءه يسعون للسيطرة على حلب وهو أمر يعني محاصرة 650 ألف مدني مضيفا أن النظام والروس يستخدمون كل الأسلحة الممكنة.
رويترز