تواجه المناطق الزراعية والثروة الحيوانية في محيط العاصمة السورية دمشق خطرا شديدا، بعدما نجح النظام السوري في السيطرة على السلة الغذائية للغوطة الشرقية والمتمثلة بآلاف الهكتارات من قطاع المرج.
أبو عمر أحد مُزارعي الغوطة الشرقية كان يملك حوالي 150 رأس ماشية (بين أبقار وأغنام وماعز) يقول للمركز الصحفي السوري ” المُستهدف في سوريا ليس فقط الشعب المناوئ لحكم الأسد، بل الحجر والطبيعة والبنى التحتية وحتى الحيوانات، فقد خسرتُ أكثر من نصف ثروتي الحيوانية بفعل صاروخ فراغي أتى على حظيرة الأبقار التي كنت أمتلكها في بلدة النشابية، راح ضحيتها 40 رأس بقر دفعة واحدة في أقل من دقيقتين “.
يضيف أبو عمر ” لم يعد لدي طاقة مادية على تحمل أعباء ماتبقى لدي من مواشي، فهي تحتاج يومياً إلى حوالي 100 كغ من العلف بشكل وسطي، وليس بمقدوري شراؤها مع الارتفاع الفاحش بثمن العلف الذي وصل سعره إلى 350 ليرة سورية للكيلو الواحد بالتزامن مع انخفاض سعر الحليب الذي أصبح لا يغطي النفقات المادية “.
وتمتاز الغوطة الشرقية بأنها كانت خزاناً للثروة الحيوانية على مستوى سوريا وذلك بسبب امتهان سكانها بمهنتي الزراعة و تربية المواشي اللتان تعدان المصدر الأساسي لأغلب العوائل، فضلاً عن وفرة الأراضي الخصبة والمناسبة لزراعة معظم المحاصيل الصيفية والشتوية، ويخشى قاطنو المنطقة تكرار سيناريو الحصار الشديد الذي فرضته قوات النظام على الغوطة منتصف العام 2014 .
إحصائيات وأرقام :
وبحسب إحصائيات رسمية أكدها نقيب الأطباء البيطريين في الغوطة الشرقية “محمد فؤاد صبحية ” للمركز الصحفي السوري :” إن تعداد رؤوس الأبقار الحلوب داخل الغوطة حسب إحصائية موثقة في بداية العام 2010 قد بلغ حوالي ( 120 ألف بقرة حلوب )، وأن عدد رؤوس الأغنام قد تجاوز (250 ألف رأس غنم في نفس العام ).
في حين خسر هذا القطاع مايزيد عن 80 % من تلك الأعداد نتيجة الأحداث التي عصفت في سوريا عموما و الغوطة الشرقية خصوصاً, وأكد الطبيب محمد فؤاد أن تعداد الأبقار في نهاية العام 2016 ” بحسب آخر إحصائية سنوية ” لم يتجاوز (2500 بقرة ) ، فيما يبلغ عدد الأغنام ( 12 ألف رأس غنم على أكثر تقدير).
وأشار الطبيب محمد فؤاد إلى أن تدني الأعداد في القطاع الحيواني يرجع إلى عدة أسباب أبرزها نقص التغذية عند المواشي نتيجةً لفقدان العلف وغلاء سعره بشكل كبير جداً، كما أن انتشار الأمراض وصعوبة تأمين الأدوية البيطرية فضلاً عن الارتفاع الفاحش في سعرها “إن وجدت” أيضاً من أبرز الأسباب التي جعلت الثروة الحيوانية في الغوطة تتدهور بشكل مخيف جداً، فيما يرجع السبب الرئيسي لفقدان الثروة الحيوانية في الغوطة إلى تقلص المراعي الخضراء التي لها الدور البارز في التغذية نتيجة القصف والتدمير وحركات النزوح المتزايدة للسكان.
وكانت قوات النظام السوري قد سيطرت على القطاع الجنوبي في الغوطة الشرقية منتصف العام 2016، حيث يضم آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية والمراعي الخضراء، والتي تمتاز بأنها السلة الغذائية للغوطة، الأمر الذي ساهم بشكل مباشر في زيادة مأساة الثروة الحيوانية.
حلول و بدائل :
أمام تلك الأرقام المرعبة و التي أظهرت الخسائر الضخمة في قطاع الثروة الحيوانية تسعى بعض المؤسسات المدنية ومنظمات العمل الإنساني داخل الغوطة إلى إيجاد حلول إسعافية تساهم في دعم مربي الأبقار والأغنام.
يقول الأستاذ فراس المرحوم مدير مكتب هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية في الغوطة الشرقية للمركز الصحفي السوري :” نسعى لإقامة مشاريع تنموية في مجال الثروة الحيوانية نستطيع خلالها إيقاف نزيف الخسارة التي اجتاحت القطاع الحيواني في منطقة الغوطة خصوصاً، فطرحنا مشروع بقرة خير في بداية العام 2016، وتم توزيع أكثر من 100 بقرة على مربي الثروة الحيوانية الذين فقدوا ثروتهم نتيجة الأوضاع الصعبة، هذا التوزيع تم طرحه عن طريق مفاضلة أولويات بين الفلاحين، حيث يقوم كل فلاح بتقديم طلب في مكتبنا البيطري ثم نقوم بدراسة الطلبات وإجراء عملية الكشوفات الحسية على الأراضي والحظائر، ليتم بعدها إعلان نتائج المقبولين”.
ويضيف المرحوم ” أنه تتم متابعة الحالة الصحية للأبقار التي تم توزيعها على المستفيدين وتقديم الرعاية الصحية والإستشارات البيطرية بشكل مجاني فضلاً عن تقديم كمية أعلاف تكفي لمدة 6 شهور بشكل وسطي “.
ويكشف المرحوم عن مشاريع أخرى من شأنها استعادة القطاع الحيواني عافيته، ويقول :” أطلقنا العيادة البيطرية المتنقلة وهي المشروع الأول من نوعه في الغوطة الشرقية، تنتقل هذه العيادة بين ست مدن أساسية في الغوطة منها (مسرابا – دوما – كفربطنا – سقبا – بيت سوى – الإفتريس) تقدم العلاج بشكل مجاني للأبقار والمواشي والدواجن، كما تم إطلاق مشروع يهدف إلى توزيع 240 رأس غنم في صيف العام الماضي للأرامل اللواتي فقدن أزواجهنّ في بلدتي الريحان والشيفونية، بغية تعزيز دور المرأة الأرملة في المجتمع السوري ومساعدتها في تأمين المصاريف المادية الخاصة بالعائلة بعد فقدان المعيل “.
وتمكن المركز الصحفي السوري من الوصول إلى أحد المربين الحاصلين على بقرة من هذا المشروع، حيث أكد لنا السيد عبد الهادي عدس أن البقرة التي حصل عليها كمنحة من هيئة الإغاثة الإنسانية الدولية بالنسبة له تعتبر نواة لمشروع صغير (بعد أن فقد جميع ما كان يملك من بقر نتيجة القصف) من الممكن أن يبدأ به حتى يصل إلى الاكتفاء الذاتي له ولعائلته.
يشار إلى أن الغوطة الشرقية تتربع على مساحة 120 كم2، إلى الجهة الشرقية من العاصمة السورية دمشق، فيما يبلغ عدد سكانها 500 ألف نسمة، و على الرغم من النشاطات التي أقامتها الهيئات والمنظمات الإغاثية والتنموية داخل الغوطة الشرقية في جميع المجالات يبقى العجز موجوداً أمام نصف مليون شخص يكتوون بنار القصف تارة والحصار تارة أخرى .
المركز الصحفي السوري_ محمد ياسر