فبينما رأى حزب الله أن هذه الخطوة “حماسية” لضبط الانفلات الحاصل من بعض تجار ومروجي المخدرات، قال معارضون للحزب ونشطاء سياسيون أن الأخير يحاول بين الفينة والأخرى التذكير بأنه الدولة بفعل منطق السلاح.
وكانت ما يسمى بـ”سرية العباس” التابعة لحزب الله وسعت انتشارها، فجر السبت، في منطقة برج البراجنة بذريعة ضبط الفلتان الذي أحدثه تجار المخدرات والخارجين عن القانون.
تعهدات العهد
من جهته، رأى القيادي في تيار الانتماء الشيعي المعارض الدكتور رباح أبي حيدر أن “المظاهر المسلحة لم تعد محط انتقادات فحسب، بل هي مرتبطة بمدى قدرة العهد في لبنان على المضي في مسيرة بناء الدولة”، مشيرا إلى أن “التباطؤ عن المعالجات أو ترحيلها كما يخطط العهد أمر عديم الفائدة، خصوصا أن الرئيس عون لم يظهر موقفا ثابتا في العديد من القضايا، نراه في السعودية والأردن يصدر مواقف تتناقض مع مواقف أخرى يعبر عنها في أماكن أخرى”.
ولفت في تصريحات لـ”عربي21” إلى أن “مسار العهد لا يمكن أن يؤدي إلى بناء الدولة في ظل الوضع المتردي الذي يعيشه اللبنانيون”.
وحول ما يقال في بعض التحليلات عن أن الرئيس عون يتعامل مع الأمور بحكمة وحنكة سياسية، قال: “تيار الرئيس عون يرفع مسمى التغيير والإصلاح، وهو يحمل أحلام اللبنانيين بالتغيير والتطوير والبناء في ظل ما ضاق به اللبنانيون ذرعا بما عاشوه سابقا”.
وأضاف: “هذه الأحلام بدأت تسقط تدريجيا في ظل عدم حصول تقدم في مختلف المجالات، باستثناء المستفيدين من هذا الواقع وهم دائرة ضيقة من المجمل العام”، مشيرا إلى أن “أسوأ وضع تمر به البلاد هو الاستهزاء بالرأي الآخر، كما حصل مع رسالة الرؤساء اللبنانيين السابقين إلى القمة العربية، حيث قوبلت رسميا باستخفاف ووصفها أحدهم بأنها رسالة من خمسة عبيد صغار”.
وعن هدف حزب الله من الانتشار الذي حصل في الضاحية، قال: “يريد حزب الله من ذلك تحقيق تطلعاته في ظل تراجع المعنويات في الضاحية بفعل الأزمات الاقتصادية والحياتية وتفشي الآفات المنتشرة كالمخدرات وغيرها من الممنوعات”، لافتا إلى “أن حزب الله يدعي بأنه يترك للدولة اللبنانية كيفية معالجة هذه المشاكل، لكن ذلك غير صحيح فهو مستفيد من تردي الواقع على مستويات مختلفة”.
طمأنة..أم رسائل سياسية
بدوره، قال الكاتب والمحلل السياسي قاسم قصير في تصريحات لـ”عربي21” إن منطقة برج البراجنة تشهد في الفترة الأخيرة انتشارا لتجار المخدرات وإساءات متكررة للأهالي، وهو ما دفع المسؤولين في المنطقة إلى اتخاذ هذه الخطوة لطمأنة المواطنين بالتوازي مع ما تقوم به الدولة اللبنانية”.
وشدد “قصير” على أن “الموضوع قد ضخم بعد تصويره وانتشار الخبر”، مؤكدا أن “حزب الله موجود عسكريا وتعبويا وهو ليس بالأمر الجديد، وهذا يدل على أن هناك من يحاول اصطياد النقاط لاستغلالها في السجالات”، وفق قوله.
وحول ما نشر في بعض وسائل الإعلام اللبنانية عن عودة القمصان السوداء في (إشارة إلى أحداث 7 أيار/ مايو 2008 وسيطرة حزب الله على بيروت عسكريا)، قال: “لا أعتقد أن هذا الأمر يحمل أهمية، وأتوقع أن يستمر السجال ليومين على الأكثر ومن ثم تعود الأمور إلى نصابها، فما حصل يحمل بعدا محليا مناطقيا فقط”.
وحول الاتهامات التي ساقها وزير العدل السابق أشرف ريفي ضد حزب الله، قال: “اللواء ريفي يركز على موضوعين أساسيين بهدف الاستقطاب الشعبي وهما (إيران وحزب الله)، وهذا ما قاله لي شخصيا، فهو يتحرك عندما تتاح له الفرصة إلى ذلك، كما حصل عندما علّق على مواقف نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم”.
هل الدولة مصادرة؟
وقال الكاتب والمحلل السياسي شارل شرتوني في تصريحات لـ”عربي21“، إن “ما نشهده اليوم هو متابعة لواقع انقسامي يتجدد باستمرار حول موضوعات مختلفة”، متوقعا “استمرار الانقسام بما يحمله من خطورة لأجل غير مسمى”.
وعن انتشار حزب الله في الضاحية، قال: “ظاهرة القمصان السود مستمرة منذ عشر سنوات، ولن تنتهي هذه المظاهر إلا بتبدل إقليمي على الصورة التي نشاهدها حاليا” .
وأردف: “نحن لا نزال أسرى لإشكاليات قائمة ولم تتبدل لغاية الآن، وما نشهده الآن هو عملية مزايدة ضمن إشكالية واضحة بأن هذه الدولة غير موجودة ومصادرة لحسابات سياسية”، وأكد أن “هناك خروجا واضحا عن الإجماع اللبناني، فلا أحد له الحق باحتكار المفكرة الداخلية والخارجية”.
وعن المطلوب بانتظار حدوث المتغير الإقليمي الذي يتحدث عنه، قال: “يجب تعديل لغة الخطاب وأن تكون نبرة التخاطب توافقية مبنية على احترام مشاعر البعض”، مشددا على أن اللبنانيين “أسرى الاتجاهات الإقليمية التي تستخدمنا إلى جانب ساحات أخرى لأجندات خاصة”، بحسب تعبيره.