بعد عام من نشوب الثورة السورية التي قامت لإسقاط النظام، دخل السلاح وتعسكرت الثورة، وتحولتْ الفصائل المعارضة على اختلاف انتماءاتها إلى سلطة عسكرية، لنكون أمام نظام موازٍ لنظام بشار الأسد.
ولمّا كانت الفصائل الأكثر قوة ذات إيديولوجيات دينية مستبدة، وجد الشعب نفسه أمام إسقاط سلطتين مستبدّتين متصارعتين، بعد أن كان هدفه يتمثل بإسقاط سلطة الاستبداد وحدها، كل سلطة تحاول إسقاط الأخرى، بالتوازي مع الدعم الخارجي الذي نجمت عنه سلطة ثالثة، وهي الأطراف الإقليمية المتمثلة في محورين، يدعم كل منهما طرفاً ضد الآخر، ما طرح أسئلة كثيرة: هل ما زالت الثورة مستمرة في ظل سلطتين متصارعتين؟
وفي أيّ طرف تتمثل هذه الثورة؟ وهل تحول الشعب السوري إلى هامش في ظل ثورته؟
خلّف صراع السلطتين على مر تلك السنوات، إضافة إلى الخسائر البشرية دماراً في البنية التحتية بشكل كبير، لكن المفارقة أنه قام ببناء الشخصية السورية التي كانت مفقودة أربعين عاماً، وبين هاتين الثنائيتين، كان اللاجئ السوري المستفيد الفعلي منهما، فقيامه بفعل المغادرة منسلخا عن انتمائه الجغرافي، ورفضه الخضوع لأي سلطة، وتحوله من طرفٍ مُستهلَك في الصراع إلى طرف مُستهلِك للصراع، جعله الأقل خسارة من الناحية البشرية والمادية.
أعلن اللاجئ سقوط السلطة الأولى، المتمثلة في نظام الأسد، وذلك بكسب هويته الجديدة بصفته لاجئاً، مستغنيا عن هويته الأولى، أي بمعنى فتح جبهة جديدة على العدو الذي يظن نفسه منتصراً بها، وذلك في نسفهِ مفهوم الهوية الراسخة أو الهوية الثابتة.
فِعْلُ الخدعة المبني على أساس مأساة شعب فَقَدَ كل شيء، فعلٌ يحاول من خلاله احتلال العالم، والعالم مشغولٌ في احتلاله، أي بصورة تبدو كأنها نضج في سياسة مقاتل، لا يعلم الحد الأدنى من فنون القتال، مقاتل يسقط المحورَ القويَّ، في غيابه عن معركته، أي بمعنى المنتصر في نجاته، بينما يقوم العدو الأول في إسقاط نفسه.
استطاعت الشخصية السورية بفعل الهروب ضرب السلطتين ببعضهما، وخوض التجربة الحياتية بمعزل عن الصراع بينهما، وهذه الشخصية الهاربة هي الحلقة الأقوى في هذا الصراع، كونها تنطوي تحت عبارة “إرادة الشعب السوري”، وتتجلى هذه الإرادة في رفض الشخصية السورية، لأن تكون جزءاً من كلا السلطتين.
إن اجتماع فعلي: الفرار، الخدعة في الشخصية السورية، هو طرح لمفهوم ثوري جديد، يقوم على محاربة السلطة فلسفيا، وإسقاطها بلغة زمنية سريعة، وجعل البعد المكاني مسألة غير حتمية، والزمن أصبح أكثر تعقيدا، من إشكالية سياسية تتصارع الأطراف عليها .
إيقاف الحرب في سورية، وتعطيل حركة السوري في أفعاله، يعني شللاً للعملية الديناميكية الجديدة التي توازي سير فعل الرجوع إلى السلطة الأم، أي إعادة بناء الأبدية في السلطة، وتعزيز الشكل الديكتاتوري في السيطرة على الشعوب، في حين تكون التجربة تنحت عن سياقها، وأصبحت مخولة للعودة إليها، في أزمة سورية أخرى، كالتجربة الإسلامية في أدلجة الثورة، وبناء سلطة جديدة من بقايا السلطة المثار عليها، وإهمال الحس الوطني في مرحلة الانسلاخ عن الأبوة.
العربي الجديد – عبيدة ابراهيم