“لم أكن أريد عند خروجي سوى توديع قبور الشهداء و من بينهم ابني الوحيد، الذين باع دمه كغيره من الشهداء القاضي و الجاني”، تلك كلمات الأب المفجوع بابنه الوحيد “أبو أحمد” (40 عاماً) من داريا.
لا يزال مسلسل التهجير القسري مستمرا، فالنظام يصرّ على تفريغ المدن السورية فكان مسلسل تساقط المدن، مرورا بالقصير المدينة الأولى التي خضعت للتهجير في2013، ليأتي بعد ثلاث سنوات تتابع المسلسل المفروض فجاء دور داريا في 2016، والمعضمية… وصولاً إلى التل و غيرها، فنجاح استراتيجية الحصار والتجويع والترحيل في حمص، شجّع النظام وحلفاؤه على اعتمادها في مدن أخرى لتأمين العاصمة والخط الذي يربطها بالساحل، غير آبه بمعاناة و آهات المهجرين قسريا و ما يلاحقهم من سلبيات هذا التهجير.
تابع أبو أحمد كلماته بحديث معنا قائلاً ” كان يتوجب علينا الخروج مرغمين، فقد وضعونا بين خيارين أحلاهما مر، إما الحصار والقصف والجوع أو الخروج إلى مجهول الشمال وتسليم المدينة ضمن مصطلحات التسوية أو المصالحة الوطنية”.
يتابع بحرقة و توتر (يا أخي ناس ما بتخاف الله، بدنا نترك بلدنا وبيوتنا و نروح، ما قدرت اعمل شي غير روح على قبر ابني وودعو لأن أكتر شي دايقني إني رح اترك ابني مدفون هون واطلع “.
مضيفاً و الدموع تنهمر من عينيه “حملنا ذكرياتنا ودفنا أحلامنا مع شهدائنا وطلعنا غصب عنا تنفيذا لمخطط لا يعرف الرحمة”.
الدموع بعيون كبار السن والنساء والحزن بقلوب الشباب لا تحمله الجبال، فتغير المكون البشري هو ما يسعى إليه الأسد وروسيا المستفيد الأكبر دون الالتفات إلى نتائجه و أثاره النفسية على هؤلاء المساكين.
وعند سؤالنا السيد “حسن النجم” أحد الأخوة المهجرين عن سلبيات وإيجابيات ما حصل له أجاب قائلاً ” كنا نعيش في جوع وحصار خانق، أحياناً لا نجد لقمة نسكت بها بطوننا الجائعة، ما اضطرنا إلى الخروج، (يا أخي هون لقينا حياة تانية، كل شي موجود، أكل وشرب وكهربا ومي ، يعني أبسط مقومات الحياة لي كنا محرومين منا).
يتابع حديثه “لكن بالمقابل خسرنا بيوتنا و اضطررنا إلى بيوت الأجار، و حياتنا التي اعتدنا عليها وبلدتنا التي تربينا فيا، ذكرياتنا، (يعني شقى العمر راح) كان يتوجب علينا الانطلاق من نقطة الصفر، تأمين بيوت وفرش و عمل (يا أخي صرت متمني اشرب القهوة بفنجان وأنا قاعد على شرفة بيتي)”.
السيدة “دلال” (22سنة ) تقول عن تجربتها “عندما قرر زوجي الخروج لم يكن لدي خيار آخر، اضطررت إلى ترك عملي وجامعتي وأهلي، مصطحبة معي طفلي الوحيد الذي تربى في أحضان والدتي إذ أنها قبلت أيدينا للبقاء وعدم الخروج أو لترك طفلي لها عساه يسد فراغ عدم وجودنا، تحطمت نفسيتي وأحسست أن الدنيا مغلقة في وجهي (طلعت وأنا مسلمة نفسي للقدر بدون لا حول لي ولا قوة، و تركت ورايي أمي كنت ما بقدر فارقا وأخواتي …رفقاتي..جيراني…بيئتي يلي تربيت فيها للذهاب إلى المجهول الذي لا نعرف عنه شيء سوى أننا سنرحل إليه لرفضنا العودة إلى حضن الوطن الذي يدعون”.
إن التهجير القسري لعبة نظام واستراتيجيات دولية طامعة في المكان تكشف نواياهم المستقبلية التي تفرض على الناس ممن لاحول لهم ولا قوة، المغلوبون على أمرهم لتجعلهم مرغمين ومرهقين ومحملين بالمآسي و الجراح التي لن تندمل.
المركز الصحفي السوري_حنين حمادة