ستبقى تلك المشاهد المرعبة لجثث الأطفال والنساء والشيوخ من أبناء الشعب السوري في الغوطة الشرقية ممن كانوا ضحايا لقرار أعمى ومجرم باستخدام الأسلحة الكيماوية التي أوقعت مئات الضحايا الأبرياء في مجزرة وقعت تحديدا في الغوطة الشرقية لدمشق في يوم الأربعاء الموافق ل”21″ آب من العام 2013 بعد استنشاقهم لغازات سامة ناتجة عن هجوم بغاز الأعصاب, ستبقى تلك المشاهد المأساوية ماثلة طويلا في ذاكرة المجتمع الدولي الذي تخلَّى عن كل خطوطه الحمراء مقابل تجاذبات سياسية انعكست على دائرة المصالح الضيقة لهذا المجتمع الدولي الصامت.
وقد تحدثت العديد من التقارير الدولية التي صدرت عن بعض أجهزة الاستخبارات الغربية بوجود بعض الأدلة التي تشير إلى تورط النظام السوري بارتكاب تلك المجزرة المروعة حيث ذكر مسؤولون أمريكيون أن المخابرات الأمريكية كشفت عن نشاط ملحوظ في مواقع تخزين تلك الأسلحة الكيميائية في المواقع السرية الخاصة بتخزينها والتي يشرف عليها النظام السوري وذلك قبل يومين من تاريخ الهجوم.. وفي المقابل قدمت الاستخبارات الألمانية تقريرا جاء فيه أن اتصالا جرى بين مسؤول كبير في حزب الله والسفارة الإيرانية في بيروت أشار خلاله مسؤول الحزب إلى مسؤولية بشار الأسد عن الهجوم, ثم عادت الاستخبارات الألمانية وقدمت تقريرا آخر يشير إلى أن السلاح الكيميائي من الممكن أن يكون قد استعمل بدون علم الرئيس السوري بشار الأسد أو بتفويض منه وأنه كان قد رفض استخدام قواته السلاح الكيميائي ضد المعارضة في مرات سابقة.
وحده النظام وحلفاؤه الروس والإيرانيون سارعوا إلى اتهام قوات المعارضة بالمجزرة دون أدلة تذكر!
واليوم وبعد ثلاثة أعوام مضت منذ تاريخ وقوع مجزرة الكيماوي, تتوارد الأنباء بين الفينة والأخرى عن قيام قوات النظام بقصف بعض المواقع المأهولة بالسكان بغاز الكلور السام, مدعومة بمشاهد وصور لتلك الاختناقات التي تصيب المدنيين الأبرياء في أماكن الهجوم ولا سيما باستخدام “البراميل” التي تقوم المروحيات التابعة لسلاح جو النظام بإلقائها على المدن والقرى والبلدات.
ويبدو أن حادثة سقوط المروحية الروسية في ريف مدينة سراقب الشرقي, قد أنعش دوافع النظام ومن خلفه الداعم الروسي بالانتقام بواسطة الغازات السامة من سكان تلك المنطقة من جديد, حيث ذكرت مجموعة الدفاع المدني السوري “لرويترز” أن طائرة ألقت عبوات من الغاز السام على بلدة سراقب في محافظة إدلب التي تسيطر عليها قوات المعارضة المسلحة, بالقرب من المكان الذي أسقطت فيه المروحية الروسية منذ عدة أيام, وذكر المصدر أن 33 شخصا تأثروا بهذه الغازات السامة التي يعتقدون أنها غاز الكلور دون أن يؤكدوا ذلك.
وقد نشر الدفاع المدني الذي يصف نفسه بأنه مجموعة محايدة من المتطوعين في أعمال البحث والإنقاذ تسجيلا مصورا على “يوتيوب” يظهر فيه عددا من الرجال يحاولون التنفس بصعوبة ويزودهم أفراد يرتدون زي الدفاع المدني بأقنعة أوكسجين.
وقال المتحدث لرويترز”نعم كان هناك قصف ببراميل متوسطة الحجم تحوي غازات سامة, ولم يتمكن الدفاع المدني السوري من تحديد نوع هذه الغازات”.
تدل هذه الهجمات التي يعتقد أنها تحوي على غازات سامة على وجود ارتباط بين حادثة سقوط المروحية الروسية والتي اعترفت بها القيادة الروسية وأدت إلى مصرع خمسة من طاقمها, وبين مكان الاستهداف ألا وهو بلدة سراقب التي سقطت تلك المروحية بالريف المجاور لها.
إن صحت تلك الأنباء بالدليل القاطع, فهذا يعني أن عقلية الانتقام بشتى أنواع الوسائل المحرمة من المناطق السورية المحررة, لم تعد مقتصرة على النظام, وإنما تسللت بشكل مباشر إلى حليفه الروسي الذي بدأ يفقد الأعصاب وينحو نحو النظام عن طريق تطبيق سياسة عقاب المدنيين جراء الفشل العسكري على الأرض, وستعتبر هذه الحادثة بمثابة الإدانة الصريحة للقيادة الروسية التي تقدم نفسها على أنها وسيط يسعى للحل السلمي في سورية بالتوازي مع مساعيها “لمحاربة الإرهاب”
ولكن السؤال الأبرز:
سبق للطيران الروسي أن ارتكب العديد من المجازر بحق المدنيين والأدلة كثيرة, ومع ذلك تنكر وسائل الإعلام الروسية الرسمية كل هذه المجازر بل وتتهم المعارضة المسلحة بارتكابها.
هل هي في طريقها لتوسيع هجماتها ضد المدنيين لتشمل الغازات السامة واتهام المعارضة باستخدامه؟!
لا شيء مستغرب, لأن عقلية الأنظمة الديكتاتورية عقلية واحدة حتى إن اختلف ترتيب الحروف المشكلة لأسمائها!
المركز الصحفي السوري – فادي أبو الجود