الإيرانيون لا يكشفون ورقة جديدة من أوراقهم من خلال الدعوة إلى الذهاب إلى دمشق بدلا من أداء فريضة الحج بمكة. الفرعيات المذهبية حلت محل الأصول الجامعة.
ما معنى أن يحج الإيرانيون إلى مرقد السيدة زينب في ضواحي دمشق بدلا من الذهاب إلى البيت الحرام بمكة؟
فشل السعوديون في وقت سابق في اقناع الجهات الرسمية الإيرانية بشروط الحج، وهي شروط ليست تعجيزية. ذلك لأنها لا تحرم الحاج الإيراني من أداء أية شعيرة تتعلق بالحج، بل تهبه فرصة أن يكون خالصا في دينه بعيدا عن املاءات التظاهر السياسي الذي فرضته طهران على مواطنيها.
فشل السعوديون في مسعاهم لأن الإيرانيين يرون في الحج مناسبة سياسية. وهي وجهة نظر لا تناسب ملايين المسلمين القادمين لأداء فريضة الحج من مختلف جهات الأرض. ولأن المملكة العربية السعودية هي خادمة تلك الفريضة الدينية فقد أبت على نفسها أن يتم استدراجها إلى ما هو سياسي في الموضوع الديني.
كانت السعودية صريحة وواضحة في إعلانها أن ليس من حقها أن تقف ما بين مسلم وبين رغبته في أداء مناسك الحج. وهي لا تملك أن تضع شروطا مسبقة للحج في حدوده الدينية.
الرفض الإيراني لكل ما طرحته السعودية كان مبيتا. وقد يبدو نوعا من الخيال إذا ما قلنا إن الإيرانيين وفق عقيدتهم يملكون الكثير من البدائل لإداء فريضة الحج بدلا من الذهاب إلى البيت العتيق بمكة.
في إمكان آيات الله في قم أن يعطلوا فريضة الحج. غير أن أحدا منهم لا يجرؤ على أن بصرح علنا بحقيقة ما يؤمنون به. غير أن توقيت زيارة الايرانيين إلى ضريح السيدة زينب بدمشق يمكنه أن يقول شيئا من الحقيقة التي يحرص النظام الإيراني على اخفائها حتى الآن. وهي حقيقة لا علاقة لها بالسياسة بقدر ما تقدم فكرة عن الإسلام الإيراني الذي لا يشبه أي إسلام آخر.
صحيح أن الإيرانيين لا ينكرون فريضة الحج. غير أن زيارة أضرحة الأئمة هي أكثر وجوبا من أداء تلك الفريضة أو بمستواها. لذلك يرى الإيرانيون ومن والاهم في عقيدتهم في الذهاب إلى الحج مناسبة لزيارة مقبرة البقيع. الحج بالنسبة لهم ليس سوى فرصة لزيارة مقبرة، لا يصح حجهم من غير القيام بها.
الإيرانيون لا يكشفون ورقة جديدة من أوراقهم من خلال الدعوة إلى الذهاب إلى دمشق بدلا من أداء فريضة الحج بمكة، بقدر ما هي محاولة علنية لتأكيد أفكارهم الخاصة في ما يتعلق باصول العقيدة، حيث تحل الفرعيات المذهبية محل الأصول الجامعة.
وهو ما لا ينفيه الإيرانيون من خلال تصرفاتهم. اما ما يقوله أتباعهم فهو مجرد هذر لا يعبر عن الحقيقة. فالإسلام الإيراني له طابع خاص، تسللت من خلاله عادات وأفكار وتقاليد زرادشتية إلى جوهر العقيدة الإسلامية ولم تبق في حدود التداول الشعبي الاحتفالي كما هو الحال مع أعياد نوروز التي تتمحور حول النار.
ما أسماه الكاتب الإيراني علي شريعتي الذي تمت تصفيته في باريس بالتشيع الصفوي هو في حقيقته نوع آخر من الإسلام، يمكننا أن نطلق ليه تسمية “الإسلام الإيراني” وهو إسلام جر التشيع إلى مناطق مغالاة خطيرة في تطرفها ولاعقلانيتها.
وقد يُقال جدلا أن زيارة أضرحة الأئمة وزينب التي يُقال أنها مدفونة في إحدى ضواحي دمشق حيث يقع مرقدها ليست منهم بالطبع لا تتعارض مع فريضة الحج، على الأقل في سياق العقيدة الإيرانية وهو قول منطقي لولا أن الإيرانيين هيئوا انفسهم لكي تكون تلك الزيارة متزامنة مع موسم الحج. وهي إشارة لا يمكن سوى الانتباه إلى مدلولاتها التي تتجاوز السياسي إلى العقائدي.
قد يصح القول إن الإيرانيين يفقدون أحيانا رشدهم فيتصرفون بغباء لافت.
وكما أرى فإن الدعوة الإيرانية الصريحة إلى زيارة مرقد السيدة زينب بدلا من الذهاب إلى الحج جاءت لتكشف في وقت مبكر خفايا التفكير العقائدي الإيراني. فهل سيكون في ذلك درس للمضللين من العرب بولاية الفقيه؟
ميدل إيست