هي عصب الحياة ونقطة ارتكازها خصوصاً في فترات القصف, وهي ملاذ المرضى والجرحى ومن تدهورت حالته, إنها النقاط الطبية أو المشافي الميدانية على حد سواء.
إلا أن النظام بغطرسته المعهودة بعد قصفه لبعض الأحياء والحارات يمارس القصف الممنهج, حيث يوجه معظم ضرباته بأهداف محققة لتلك المشافي.
فصور مجازر الكيماوي التي ارتكبها لن تغيب عن أذهاننا أبداً، حيث مئات الجثث المتناثرة في ساحات المشافي الميدانية وكيف أن فريق الدفاع المدني يعمل مستميتاً لإنقاذ مصابي الغاز السام في المدن المستهدفة, وكيف يبدو مشهد الأهالي بحزنهم على ذويهم ممن قضوا بتلك المجازر, لكن النظام بعد ارتكابه للمجازر ولكي يثبت حقيقته الإجرامية بشكل جليّ تراه يقصف المشافي بعدة صواريخ حتى يسقطها أرضاً وتصبح خارجةً عن الخدمة, وإصابة بعض أعضاء الكادر الطبي فيه.
تراه يعمل بشكل إرهابي منظم فلا يبقِ مشافٍ صالحة في المدن ولا حتى في المدن المجاورة, لأنه يقصف منطقة ثم يجهز على المدن المجاورة لنسف البنى التحتية ولإجبار الأحرار على الرضوخ لسلطانه وجبروته فلا يبق للمصاب خياراً إما النزف حتى الموت, أو الانصياع للطاعة وخاصة الحالات الطارئة التي فيها حالات بتر أو ضياع بعض الأعضاء فهذه منهجيته الإرهابية.
قصف وتدمير نفي وتهجير هذا أسلوب نظام عاث في الأرض فساداً طيلة أربعين عاماً خلت ثم أمعن بوحشيته في أعوام ثورتنا ومما يدل على ذلك تدميره حتى الطرق المؤدية للنقاط الطبية, فلا ترَ طريقاً إلى أي مركز طبي إلا مليء بالحفر والثغرات.
الوضع الطبي في حال مزرٍ فمن سيء إلى أسوأ فنادراً ما ترى مراكز طبية ضمن المدن, وذلك بطلب من الأهالي الذين باتوا لا يأمنون سطوته بمجرد وجود نقاط طبية داخل المدن, ليقينهم بأسلوبه المعهود بقصف تلك النقاط بذريعة أنها مقراً للإرهابين على حد قوله.
فالمشافي إما أن تكون شبه معدومة أو خارج المدن بطرق وعرة لا يصل إليها المصاب إلا بشق الأنفس بسبب الضربات المتوالية عليها أو على الأحياء القريبة منها, ولن تسمع إلا أنّات المصابين والمرضى في مناطقنا المحررة.
يُعتبر عام 2018 العام الأقل أضراراً بالمنشآت الصحية وكوادرها الطبية, ومع ذلك تم توثيق أكثر من 198 حالة استهداف مباشرة للمنشآت الصحية المتواجدة خارج سيطرة نظام الأسد, ومقتل أكثر من 91 عاملاً في المجال الطبيّ بسبب القصف الروسي ونظام الأسد على هذه المنشآت, وذلك حسب تقارير الشبكة السورية لحقوق الانسان, فما بالكم بباقي الأعوام الثمانية؟!.
وفي نفس السياق, أعلنت مديرية صحة إدلب وحماة وحلب توقف الدعم الطبي في مراكزها، حالٌ يندى له جبين أصحاب الافئدة والإنسانية فقلّما تجد أُسراً خالية من بتر أو اصابة بعض الأعضاء، أمراضاً مزمنة كتفشي مرض السكري والضغط بسبب حالات الخوف والذعر أو سوء التغذية عند بعض الأطفال, وذلك لنقص حاد في مادة الحليب عند الرضع أو قلة الأطعمة الغنية بالأغذية الضرورية لنموهم.
بالإضافة لتراجع قسم العمليات الإسعافية وخاصة أثناء القصف مما يؤدي لزيادة حالات الوفاة أو انخفاضاً ملحوظا في خضاب الدم بسبب النزف, لكن لا الدول العربية تسمع ولا الإنسانية تشعر بتدهور الوضع الصحي المتزايد بسبب عجز المنظمات وتخليها عن الدعم الطبي ومما ينتج عنه انتشار معظم الأمراض مثل الليشمانيا بسبب سوء الخدمات من جهة وقلة الدعم الصحي من جهة أخرى.
وعلى نفس الوتيرة تراجع الوضع الصحي عند أصحاب الأمراض المزمنة لحاجتهم المستمرة للأنسولين وغيره طيلة الحياة, أيضا شح اللقاحات للأطفال وهي من أولويات رعاية الطفل لذلك يجب على المنظمات الدولية الحيلولة دون هذا التدهور.
يعيش الشمال السوريّ المحرر حالةً من فقدان الرعاية الصحية الضرورية لحياة أكثر من أربعة ملايين شخصاً يقطنون تلك المنطقة, فمَن لم تُدمره طائرات الروس والأسد ابتعدت عنه منظمات الدعم الطبيّ لحجج كثيرة, وبالنهاية المواطن هو أشدّ المُتضررين, فهل من نهايةٍ لهذا الواقع المرير كي ينال هذا الشعب أبسط حقوق إنسانيته المتمثلة بالرعاية الصحية له ولأسرته؟.
فداء معراتي /المركز الصحفي السوري