القمم الثلاث الموعودة لن تكون خاوية على عروشها، فالأكيد أن هناك قرارات جريئة ستتخذ لدحر الإرهاب وامتداداته، وتحجيم الدور الإيراني والروسي في المنطقة، وتنشيط دولاب الاقتصاد الراكد.
العلاقات الأميركية – الخليجية والعربية شهدت، ومنذ اندلاع ما اصطلح على تسميته بـ“الربيع العربي”، نسقا تراوحت حدته بين الفتور والركود، وبين التجدد والتنشيط، حيث تزامن ذلك مع الفترة الرئاسية للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، واشتد التنافس على الرئاسة بين قطبي السياسة الأميركية، ما أفرز ظاهرة دونالد ترامب، الرئيس الجمهوري المثير للجدل، وطرحت المسألة انتظارات كثيرة مع بعض الخوف من جرأة ترامب وربما تهوره، لدى كل العالم والعرب، وبالتحديد شركاء أميركا التقليديين.
وبدأ الكل يتحسس معالم السياسة الجديدة، وكان هم كل المتابعين أن تعيد الإدارة الأميركية تفعيل شراكتها مع الخليجيين ومع الدول العربية الفاعلة في الساحة سواء من حيث الوزن الاقتصادي أو الأمني العسكري، وكانوا يريدون أن تتم العملية من بوابة تحجيم القدرات الإيرانية والضغط على أذرعها العسكرية في لبنان وسوريا وخاصة في اليمن. ومن بوابة تقليم أظافر الدب الروسي الذي شغل الفراغ الذي تركته أميركا.
المملكة العربية السعودية، ومن ورائها دول الخليـج، التي تجمعهـا بواشنطـن عـلاقـة شراكة معمرة وطويلة على امتداد أكثر من ستين سنة، قطباها الأمن والنفط، سعت بل بادرت بتحريك ما ركد في هذه العلاقة، وتوجت مسعاها بزيارة تاريخية لولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بن عبـدالعزيز، حيـث استقبله الرئيس دونالد ترامب بما يشي برفعة القدر والمكانة.
الولايات المتحـدة الأميركية بـدورها، وعبر إدارة دونالد ترامب، سعت لرأب الصـدع في عـلاقاتها الخارجية؛ الخليجية ثـم العربية، لاستعادة دورهـا الريادي والقيادي في مسيرة التوازنات الإقليمية والعالمية أمام استئثار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالمبادرة الإقليمية بتدخله المباشر في سوريا تحت مظلة الحفاظ على المصالح الاستراتيجية الروسية في الشرق الأوسط.
تعمق الوعي إذن لدى كل الأطراف المعنية بالسيرورة الطبيعية التقليدية لتوازن القوى في الشرق الأوسط وبدأوا باستشراف الصيرورة التي ستنتهي إليها.
فكان لا بد من إعادة هيكلة هذه العلاقات من جديد، حتى وإن اختلفت الأهداف والشعارات المنضوية تحت لوائها، فالكل يخفي أبعاده وأهدافه الحقيقية ويعلن انخراطه اللامشروط في مناهضة الإرهاب- من دون اعتبـار ما يحيل عليه المصطلح من معنى يختلف لدى الغرب كما لدى العرب والفرس- بما أنه أصبح يؤرق الجميع خاصة بتوسع امتداداته الفكرية والعملياتية.
أما الضرورة الثانية التي دفعت الأميركان والخليجيين والعرب عموما إلى الالتقاء مجددا للتأثير المباشر في مآلات الصراع الإقليمي في سوريا واليمن والعراق، تتمثل في الحفاظ على المواقع أو إعادة التموقع في ظل الأحلام الفارسية ودغدغة مشروع الهلال الشيعي مشاعر الفرس باستمرار، وفي ظل الحلم الإمبراطوري لبوتين، وكلاهمـا- الإيرانيون والروس- أعداء على الدوام للتحالف العربي- الأميركي.
في خضم كل هذه المعطيات الإقليمية المتقلبة باستمرار كان لا بد لقطبي هذه العلاقات، أميركا والسعودية، أن يبادرا بإصلاح ما يجب إصلاحه لتستمر التوازنات ولتستمر المصالح أيضا.
وعلى ترامب الموسوم بالفوضوية أن يعيد ترتيب الشراكة الاستراتيجية مع السعودية والإمارات العربية المتحدة وباقي دول الخليج، وأيضا مع مصر والمغرب وتونس، والتزمت السعودية برعاية هذا الإصلاح عبر دعوة إلى قمم ثلاث برئاسة ترامب في الـ21 من الشهر الجاري؛ قمة أميركية سعودية بـين الرئيس ترامب والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز. وقمة أميركية خليجية، وقمة ثالثة أميركية عربية.
السؤال المطروح هل ستفي هذه القمم بوعودها؟ بل هل ستتحقق الانتظارات الرسمية والشعبية على أرض الواقع؟
مما لا شك فيه أن القمم الثلاث الموعودة لن تكون خاوية على عروشها، فالأكيد أن هناك قرارات جريئة ستتخذ لدحر الإرهاب وامتداداته، وتحجيم الدور الإيراني والروسي في المنطقة، وتنشيط دولاب الاقتصاد الراكد.
ولكن كيف سيتم ذلك؟ ووفق أي اعتبارات أو توافقات؟
نتنبأ بأن ترامب سيحاول ألا يحيد عن توجهات الإدارة الأميركية والتي اتخذت شكلا مميزا تبلور خلال الحربين الكونيتين وما بعدهما وهو قيادة العولمة فكريا واقتصاديا.
سيحاول ترامب أن يثبت للإيرانيين بأن ملف النووي والعقوبات لا يزالان ورقة ضاغطة يقع توظيفهـا متى اقتضـت الضرورة ذلك. كمـا سيحاول أن يثبت أن لا مجال للـروس ليتحكموا في مسـارات الأزمـات الإقليمية في الشرق الأوسط بمفردهم.
والأهم من كل ذلك مصلحة الجميع في أن يعيد ترامب ترتيب علاقات أميركا وشراكاتها مع السعودية ومع دول الخليج ومع العرب، بما يضمن الاستمرار الإيجابي لهذه العلاقات في كنف الشراكة المتوازنة والفاعلة.
مسألتان أخريان في غاية الأهمية تدخلان في نطاق الانتظارات من القمم الثلاث المرتقبة.
مسألة التعامل مع الرئيس السوري بشار الأسد في الأزمة الحالية وما بعد الانفراج وسيحتد الصراع هنا مع منطلقات روسيا وإيران بدرجة أقل.
أما المسألة الثانية فيمكن اختزالها في موقع الأكراد في الصراع وكذلك المستجدات على الساحة اليمنية والتي تفوح منها رائحة تنشيط النزعات الاستقلالية.
ستبوح القمم في السعودية بأسرارها وتتضح بذلك الرؤى التي قد تغير كثيرا في المعادلات الإقليمية، ومعها سيعلن ترامب فعليا ديدنه وقدرته على التعامل مع الأزمات، وخاصة التي تطرح على مستوى علاقات أميركا الخارجية.
كاتب تونسي عبدالستار الخديمي