كانت إيران من بين الحكومات الأولى التي عبّرت عن دعمها للحكومة المنتخبة ديمقراطيًا في تركيا خلال محاولة الانقلاب الأخيرة. وقد حدثت اتصالات بين بعض المسؤولين الإيرانيين مثل الرئيس، ووزير الخارجية، ورئيس مجلس النواب أيضًا وبين نظرائهم في تركيا بشأن هذا الانقلاب.
وبالنظر إلى أنَّ علاقات إيران مع تركيا، وخاصة رئيسها، رجب طيب أردوغان، كانت فاترة نوعًا ما في السنوات القليلة الماضية، فلماذا كانت إيران متلهفة لتسجيل معارضتها لمحاولة الانقلاب؟ أحد الأسباب هو أنَّ إيران نفسها من المحتمل أن تكون عُرضة لمحاولات انقلاب قادمة. على الرغم من أن احتمالات وقوع انقلاب عسكري في إيران ليست كبيرة، حيث يمثل الحرس الثوري قوة عسكرية حقيقية في البلاد، إلّا أنَّ فصائل عسكرية أو مدنية قوية يمكن أن تلجأ إلى وسائل غير مشروعة لتقويض الحكومة الشرعية، وخاصة إذا كانت من بين الأكثر اعتدالًا أو لديها نزعات إصلاحية. ولذلك، كان السبب الرئيسي لردة الفعل الإيرانية هو معارضة الوسائل العسكرية غير المشروعة لتغيير الحكومات.
ومع ذلك، ثمة سبب آخر وهو عدم اليقين بشأن هوية مدبري الانقلاب. إذا كان المتآمرون من الكماليين، فإنَّ إيران لم تكن لتتوقع معاملة أفضل من تركيا تحت طبقة حاكمة جديدة من المعاملة التي حصلوا علها من أردوغان. القادة الإيرانيون يتذكرون العلاقات المتوترة مع تركيا طيلة فترتيّ الثمانينات والتسعينات عندما مارس الجنرالات سلطة حقيقية في البلاد إما علنًا أو من وراء الكواليس. وكان الاستثناء الوحيد هي الفترة الفاصلة الوجيزة لحكومة أربكان (من يونيو 1996 حتى يونيو 1997).
إذا كان المتآمرون هم أتباع فتح الله كولن، كما يدّعي أردوغان، لانهارت علاقات تركيا مع إيران. كولن من أشد المعادين للشيعة في آرائه. السبب في الميول المعادية للشيعة من جانب أردوغان، التي تمتد أيضًا إلى العلويين في تركيا، هي أنّه هو نفسه كان من أنصار كولن. بالإضافة إلى كونه معاديًا للشيعة، كولن أيضًا من المناهضين لإيران. وفقًا لإحدى السرديات، قال كولن إنّه إذا كان الذهاب إلى الجنة يتطلب المرور عبر إيران، فإنّه سيرفض الرحيل. قد لا يكون ذلك صحيحًا، ولكن من الواضح أن كولن وأتباعه لا يحبون إيران. في الواقع، بعض الصحف التركية التي كانت تدعم كولن في الماضي أشارت إلى أنَّ إيران هي الشيطان الفارسي. ولذلك، فإنَّ قيادة مناصرة لكولن كانت لتتبع سياسة معادية لإيران وتتعاون بشكل أوثق مع منافسي وأعداء إيران في المنطقة. باختصار، إنَّ حكومة من أنصار كولن كانت لتقوّض الموقف الإقليمي السياسي والأمني لإيران.
وثمة سبب آخر يمكن أن يكون أنَّ إيران قد أدركت أنَّ أردوغان كان يتعرض في الأشهر القليلة الماضية لبعض الانتكاسات الخطيرة في سياسته الخارجية. ونتيجة لذلك، بدأ إصلاح علاقات تركيا مع جيرانها، بما في ذلك سوريا وحتى بشار الأسد. ولذلك، فإنَّ النهج المتواضع والتصالحي من أردوغان سيكون الأفضل لإيران من تشكيل حكومة جديدة مع ميول معادية للشيعة والفرس.
والآن بعد أنَّ أعاد أردوغان ترسيخ سلطته، هل سيرد على إظهار إيران لدعمها له أم أنه سيعود إلى السياسات القديمة؟ ومن شأن سياسة تركية أكثر إيجابية تجاه إيران أن يكون لها فوائد اقتصادية واضحة لكلا البلدين. تركيا، على سبيل المثال، يمكن أن تزيد وارداتها من الغاز الإيراني والاستثمار في الصناعات الإيرانية وغيرها من المشروعات. ويمكن أن تساعد إيران في التوسط في علاقات تركيا مع العراق، ويمكن أن يجمع بين الدول الثلاث العديد من المشاريع الاقتصادية المشتركة والمربحة. ويمكن لعلاقات تركية إيرانية أكثر تعاونية أن تؤدي أيضًا إلى مشاريع مفيدة لكلا البلدين وإشراك دول القوقاز الجنوبية، وخاصة أذربيجان. وبالمثل، تركيا، إيران، وروسيا يمكن أن تشترك في المشاريع التعاونية. وعلاوة على ذلك، فإنَّ استقرار العلاقات التركية الإيرانية من شأنه تحسين موقف إيران أمام المملكة العربية السعودية ودول الخليج العربي. إذا كانت بعض الدول العربية مشتركة فعلًا في محاولة الانقلاب، كما توقعت بعض وسائل الإعلام الإقليمية، فإنَّ تركيا قد تتحرك أقرب نحو إيران.
ومع ذلك، هناك حدود لتوثيق العلاقات والتعاون التركي الإيراني بشأن القضايا الإقليمية. لم يغيّر الانقلاب طائفية أردوغان العميقة، وإلى حد ما، كراهيته العرقية لإيران. كما أنه لم ينهِ دوافعه التنافسية. والأهم من ذلك، يجب أن تأخذ تركيا في الاعتبار علاقاتها الغربية؛ نظرًا لأنَّ جزء كبير من قوة وهيبة تركيا في الآونة الأخيرة مستمد من علاقاتها مع الغرب، بما في ذلك عضويتها في حلف شمال الأطلسي. لذلك، يجب أن تكون تركيا حريصة حتى لا تشكّل التحولات السياسة خطرًا على هذه العلاقات.
بغض النظر عن الآثار المحتملة لمستقبل العلاقات بين تركيا وإيران، يمكن أن يؤثر الانقلاب الفاشل على تقارب أوروبا مع إيران. مع دخول تركيا في مستقبل معقد وغامض على الأقل في المدى القصير والمتوسط، قد تنظر أوروبا إلى إيران بشكل مختلف، وتكون أكثر استعدادًا للمخاطرة، وهو ما قد يعني سياسة أكثر صرامة للمشاركة الاقتصادية مع إيران. الأحداث التركية الأخيرة، إلى جانب التطورات الأخرى في الشرق الأوسط مثل أزمة الخلافة التي لا مفر منها في المملكة العربية السعودية، ينبغي أن تُثني الأوروبيين من وضع كل بيضها في سلة واحدة وتجعلهم يدركون أن توزيع المخاطر هي الاستراتيجية الأفضل.
ومع ذلك، فإن الأحداث التركية ليس من المرجح أن يكون لها تأثير كبير على نهج الولايات المتحدة تجاه إيران. خصوم إقامة علاقات جيدة مع إيران هم أقوى بكثير في الولايات المتحدة منهم في أوروبا. وبطبيعة الحال، هناك حالة من عدم اليقين في الانتخابات الرئاسية المقبلة في الولايات المتحدة.
لوب لوج – إيوان24