شهدت العلاقات السورية التونسية إنعطافاً خطيراً بعد إندلاع الثورة في تونس ووصول حركة النهضة إلى سدة الحكم في البلاد، إذ كانت أولى قرارات حكومة النهضة – الحليف القوي لقطر وتركيا – قطع العلاقات الثنائية التاريخية بين سورية وتونس وسحب السفير التونسي من دمشق وإعتبار السفير السوري في تونس غير مرحب به ودعوته إلى مغادرة البلاد فوراً.
منذ قطع العلاقات الدبلوماسية مع سورية خرجت السياسة الخارجية لتونس عن أهم تقاليدها بإلتزام الحياد تجاه علاقاتها مع محيطها العربي، حيث تحول ملف إعادة العلاقات مع الدولة السورية إلى بند ثابت في برامج أغلب المترشحين للرئاسة، فبعد فوز السبسي بمقاليد الحكم كانت الأولوية التي وضعها هي عودة العلاقات الدبلوماسية بين تونس وسورية بإعتبارها مطلباً شعبياً، إذ يرى السبسي إن الرئيس السابق المنصف المرزوقي عندما قطع العلاقات مع دمشق إنه حاد عن سياسة الحياد الإيجابي التي كرّسها الرئيس الراحل الحبيب بو رقيبة، بذلك يؤكد إن عودة العلاقات الدبلوماسية بين سورية وتونس تخدم مصالح الشعبين لتحقيق الأمن والإستقرار بين البلدين.
اليوم قررت وزارة الخارجية التونسية فتح قنصلية في العاصمة السورية دمشق، وذلك في خطوة تُمهد لعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بعد إنقطاع دام أكثر من ثلاث سنوات، لذا فإن عودة العلاقات الدبلوماسية بين دمشق وتونس تترجم إلى أن المراهنة على التدخل الخارجي لإسقاط النظام السوري باءت بالفشل، فتونس تدرك جيداً أن موافقتها على القطيعة مع سورية كانت متسرعة وغير مجدية، وهي تحاول الآن بشكل أو بآخر أن تستعيد مواقعها، غير أن إستمرار دول عربية أخرى في قطيعة دمشق، ينذر لها بإرتدادت تهددها، نتيجة عدم قدرتها على التكيف مع المتغيرات والتطورات الراهنة، وأهم هذه الإرتدادات هي نشوء “تنظيم الدولة” وتمدده في المنطقة، وبالتالي الوصول الى الفوضى الخلاقة.
إن إعادة الحياة الى المسار الدبلوماسي مع دمشق لم تكن وليدة الصدفة، بل دفعت باتجاه حصولها عوامل عديدة، أهمها إيجاد تعاون مشترك مع السلطات السورية في مكافحة الارهاب، وذلك بعد إنضمام الاف الشباب التونسي الى صفوف المجموعات المسلحة في سورية وعلى رأسها تنظيم الدولة، ما عكس إرتداداً سلبياً على الأمن التونسي ترجم عمليات امنية إستهدفت أماكن وجهات عدة كان أخرها ما جرى في متحف باردو، في عملية أدت لمقتل نحو عشرين شخصاً بينهم عدد من السياح وتبناها تنظيم الدولة، في هذا السياق أدانت سورية بشدة هذا الإعتداء الإرهابي، وأعربت عن تعاطفها مع تونس، وعبرت عن تعازيها ومواساتها لذوي الضحايا، كما طالب وزير الخارجية التونسي الطيب البكوش أنقرة أكثر من مرة وقف تسهيل إنتقال الشباب التونسيين من والى سورية
بالتالي فإن عودة المياه إلى مجاريها بين النظامين التونسي والسوري ستمكن الجانبين من التنسيق الأمني وتبادل المعلومات في إطار مكافحة الإرهاب وسينتفع البلدان من هذا التنسيق، حيث سيتمكن الجانب التونسي من معرفة تحركات العناصر التكفيرية التونسية التي تقاتل في سورية والعراق والتي من المتوقع أن تعود إلى بلادها للتخريب، وسيتمكن الجانب السوري من منع قدوم المزيد من التكفيريين إلى أراضيه، ومن هنا فإن القرار التونسي بإعادة العلاقات مع النظام السوري يشكل إنقلاباً واضحاً على ما يسمى الربيع العربي، وعلى سعي بعض الدول العربية التي إتخذت قراراً عام 2012 بقطع علاقاتها مع دمشق
وإنطلاقاً من ذلك إن الوضع الطبيعي بين تونس ودمشق لا يقتصر على إقامة علاقات دبلوماسية عادية بل في إيجاد أرضية للتعاون المتين في شتى المجالات كما كان الوضع سابقاً فقد كانت للبلدين لجنة عليا مشتركة تلتقي مرتين في السنة، مرة في العاصمة التونسية وأخرى في العاصمة السورية ويتم خلالهما إبرام عدد من إتفاقيات التعاون التي أوصلت مستوى التنسيق إلى ذروته قبل أن تجهض الترويكا الحاكمة السابقة بقيادة حركة النهضة جميع هذه المكتسبات وتدخل في لعبة عارضها عدد كبير من أبناء الشعب التونسي.
إن ما سبق يؤكد حاجة البلدين الى آليات تساعد على تحديد الأسس أو الأرضية المشتركة التي يمكننا من خلالها رسم صورة لمستقبل العلاقات السورية التونسية في ضوء المعطيات الراهنة للوصل الى أقرب نقطة ممكنة للحد من القيود والضغوط الإقليمية والدولية اللذان تتعرضان لهما في ظل هذه التحديات، وبذلك تكون العلاقات السورية التونسية قد وضعت على السكة الصحيحة وإن الإستمرار في تطويرها مسؤولية الجانبين معا وهي تخدم الشعبين والبلدين وتسهم في إستقرار المنطقة وتقوية الموقف العربي في وجه التحديات المختلفة، وهناك فرصة جيدة لترجمة النتائج والتفاهمات والتصوّر المشترك بينهما التي يمكننا من خلالها رسم صورة لمستقبل العلاقات السورية التونسية في ضوء المعطيات الراهنة.
مجملاً… نأمل أن تتطور العلاقات السورية التونسية أكثر فأكثر لأن هذه العلاقات تعتبر خطاً يربط بين المشرق والمغرب، وبالتالي فإن ما أود قوله، أن عهدنا بالسياسة التونسية رصينة ورشيدة ونتمنى لو تلعب تونس دور حل الأزمة السورية لما لها من دور مؤثر وفاعل، وبإختصار شديد إن تطور العلاقات السورية التونسية هو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة
بقلم : الدكتور خيام الزعبي