يتشابه العلم العسكري مع العلم الرياضي أحيانا في التخطيط والتحضير لتنفيذ بعض التكتيكات الخاصة على أرض “المعركة”, ونقصد هنا بالمعركة الصراع الذي ينتهي بالفوز أو الخسارة, ففي كلا المسألتين يلجأ المخطط أو المدرب لوضع الخطة الثابتة أو الآنية بشن عمليات الهجوم أو الدفاع وفق الإمكانات والظروف المتاحة والمتوفرة لديه مع أخذ بعين الاعتبار مجموعة كبيرة من العوامل التي قد تؤثر سلبا أو إيجابا على سير الموقعة.
وتعتبر القاعدة المعروفة “الهجوم هو خير وسيلة للدفاع” هي من أشهر قواعد التكتيك التي يتبعها الخبراء الرياضيون والعسكريون على حد سواء, ولأننا في سورية نعيش واقع صراع عسكري وعلى ما يبدو أنه طويل الأمد, لذلك فإن جل ما يهمنا مما تقدم ذكره هو المجريات العسكرية على الأرض.
كثيرا ما تنتهي الانتصارات العسكرية التي يحققها الثوار وفي فترة زمنية قياسية إما بنصر مؤقت أو بانتكاسة تعيد الأمور إلى بدايتها أو على الأقل لمسألة المراوحة بالمكان.
صحيح أن العمليات تجري دائما وفق إمكانيات ضيقة ومحدودة بعكس الإمكانيات المتاحة أمام قوات النظام والتي تملك الدعم غير المحدود من الحلفاء كروسيا وإيران من خلال استخدام الأسلحة الحديثة والمتطورة بالإضافة إلى التعويض الكبير للخسائر الكبيرة في العتاد والمقاتلين فضلا عن التغطية الجوية النارية التي لا تتوقف على مدار 24 ساعة من اليوم, فإن الفصائل العسكرية المعارضة كثيرا ما تمكنت من بسط سيطرتها على مساحات واسعة من الأرض بعد أن نجحت في اقتحام العديد من النقاط والمواقع العسكرية المحصنة لقوات النظام, ولكن لماذا لا تتمكن أغلب المعارك التي يطلقها الثوار من بلوغ أهدافها المعلنة, بل تكتفي بحصد “نصف مكسب” وتعتبره إنجازا عسكريا كبيرا؟
يقول الملازم “أبو عزام” القائد الميداني في الجيش الحر:
“يحق للجماهير الثائرة أن تطرح هذا السؤال على جميع الألوية والكتائب العسكرية المعارضة التي تقاتل في سورية, ولكن لهذا السؤال إجابة كبيرة ومعقدة وشائكة لتداخل العديد من الأسباب مع بعضها البعض, أولها هي كثرة وتعدد غرف العمليات التي قد تكون أحيانا عاملة في جبهة واحدة, وهذا الأمر ينعكس بشكل سلبي على تنفيذ التكتيكات العسكرية على الأرض بالشكل الأمثل الذي تم التخطيط له مسبقا.”
“وأيضا تعدد مصادر الدعم داخل المعركة وخارجها, وبكل صراحة, دائما ما تتوقف المعركة بسبب النقص الحاد في العتاد والذخيرة”.
وعن الدور المقابل لقوات النظام في إيقاف عمليات الهجوم والتقدم للثوار يكمل الملازم “أبو عزام”:
“بالتأكيد إن كثافة القصف والغزارة النارية التي يسلطها النظام علينا لها دور كبير في الحد من العمليات الهجومية التي ننفذها ونقوم بها, ولكن أستطيع القول أن هذه المسألة لم تعد تشكل الحاجز الأكبر أمام تقدم الثوار على الأرض, لأننا تمكنّا من استيعاب هذا القصف على مدار السنوات السابقة من عمر الثورة “عامل الخبرة”, وبالمحصلة يمكن أن أقول في كثير من الأحيان فإن سبب إيقاف المعركة هو سبب خارج عن إرادتنا ولأسباب كثيرة جدا”.
بالعودة للموضوع الرياضي والتكتيكات الخاصة به وخصوصا في مباريات كرة القدم, ثمة مصطلح يسمى “لحظات ما بعد الهدف”, وهي اغتنام الفريق المهاجم للحالة المعنوية الهابطة عوضا عن حالة التخبط والضياع التي تسيطر على نفوس الفريق المدافع “المهزوم”, عن طريق الاستمرار بشن هجمات سريعة ومباغتة قد تنتهي في النهاية إلى تسجيل أهداف أخرى تكون كفيلة بحسم اللقاء وضمن الوقت المتاح, وهذا الأمر ينطبق تماما على الحالة العسكرية على الأرض مع حفظ الفروقات الكبيرة بينهما, وعسكريا في سورية لدينا أمثلة عديدة على الانهيار السريع لقوات النظام وعلى مختلف الجبهات ومنها, انهيارها السريع في معركة الريف الجنوبي الغربي من حلب وبالتحديد على محوري الجمعيات والكليات, ولكن المعركة الهجومية توقفت وتحولت الفصائل المشاركة فيها من حالة الهجوم إلى الدفاع واكتفت بفك الحصار دون تحقيق أهدافها المعلنة بالسيطرة الكاملة على مدينة حلب.
وأيضا الانهيار السريع لقوات النظام في جبهة ريف حماة الشمالي والمعركة مستمرة حتى الآن.
المغزى من كل ذلك, وبصرف النظر عن الأسباب, نستنتج أنه لو تمكن الثوار من الاستمرار بخطة الهجوم واغتنام لحظات ما بعد النصر, بالتأكيد فإن سلسلة الانهيارات المحتملة في صفوف قوات النظام ستكون الحدث الأبرز الحاضر في المشهد العسكري.
إذن يؤمن جمهور السوريين الثائرين وعلى اختلاف درجات علمهم ووعيهم, أن بالهجوم هو خير وسيلة للدفاع عن المكسب الحاصل, ويطالبون الفصائل العسكرية بتبني هذه القاعدة على أرض الواقع بعيد عن الضغوط الدولية التي تفشل النجاحات العسكرية التي تصب في صالح الثورة دائما.
قد تنكسر القاعدة في معارك ريف حماة الشمالي, وقد يتكرر السيناريو ويتغير التكتيك بالتحول من الدفاع إلى الهجوم, هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.
المركز الصحفي السوري-فادي أبو الجود.