كتب “ياسين الحاج صالح” متحدثا عن الانقلاب العسكري كيف لم ينجح مركزا على التصور التشاؤمي المستقبلي في حال نجاحه بتسلسل منطقي وعرض شمولي، وأنهى حديثه بالحديث عن الانقلاب وأنّ ” الفضل في فشله للشعب التركي الذي واجه الدبابات في الشوارع، والفضل للأحزاب التركية التي حيدت خلافاتها وأجمعت على رفض الانقلاب.
هزيمة الانقلاب انتصار للشعب وللديمقراطية في تركيا. نعم، هي أيضا انتصار لأردوغان. لكنه منتصر بين منتصرين، وليس من المحتوم أن يكون المنتصر الوحيد أو الأكبر. بل إن واقعة هزيمة الانقلاب عبر جبهة شعبية برلمانية متماسكة هو ما يؤسس لأوضاع تتيح مقاومة التسلطية الأردوغانية بصورة أفضل. يرى معارضون أتراك متنوعون أنهم ضد الانقلاب.. هزيمة الانقلاب التركي تفرض وقفة للتساؤل: في تركيا، في العالم العربي وفي العالم، من هم الديمقراطيون فعلا، ومن هم أعداء الديمقراطية؟ إنها خدمة عظيمة للوضوح”.
سنتحدث من هذه النقطة النهائية بالمقال؛ لنبيّن إلى من كان الفضل في إفشال الانقلاب؟
إن نظرة متمعنة شمولية تضع النقاط على الحروف وتنظر إلى الأمور في مساقاتها الطبيعية بين المقارنة والإثبات تجد أن الفضل يعود أساسا لشخصية أردوغان في كافة الزوايا التي يمكن النظر منها إلى إفشال الانقلاب العسكري:
لمَ لمْ تفشل كافة الانقلابات العسكرية السابقة في تركيا؟
لمَ لمْ تفشل الانقلابات العسكرية في مصر وسوريا والعراق في تاريخها كله؟
لأن الانقلاب العسكري يعتمد على آلة القمع عسكرية من دبابات ورصاص وسجون وقصف وكثيرا ما تستخدم الطائرات.. كما حدث في الانقلاب الأخير في تركيا.
لم يخرج الشعب معارضا الانقلاب ولم يدنه ولم يعارضه لا في البلاد العربية ولا في تركيا سابقا، وهذا يؤكد نجاح الانقلابات العسكرية بصورة مطلقة، لأنها تعتمد على عامل المواجهة الحية مع الشعب والمعارضين والسلطة السياسية الحاكمة، فالجيش هو الأداة الرئيسية في الانقلابات الرئاسية فمن يمتلك القدرة على السيطرة على المؤسسة العسكرية يمتلك القدرة على إدارة البلاد وهو قادر على القيام بالانقلاب العسكري والسيطرة على المؤسسة الرئاسية متى يشاء.. كل هذا ممكن لكن لم يتحقق في تجربة الانقلاب الفاشل في تركيا أمس الأول، فما السبب؟
السبب في شخصية أردوغان من جهة وفي ممارسات مؤسسته السياسية من جهة، وفي المكاسب الكبرى وأولها الاقتصادية التي حققها الحزب الحاكم من جهة ثالثة.
فالتاريخ السياسي والحزبي الأخلاقي من جهة والعملي التطوري من جهة ثاني الذي يتمتع به أردوغان كان من أوائل الأمور التي رفعت من رصيد أردوغان ومؤسسته الرئاسية على الأرض.
فشخصيته المحببة منذ أن كان لاعبا رياضيا وقدرته على اللعب بروح الفريق كانت أولا،
ومواقفه المشرفة تجاه القضايا العربية العادلة والإنسانية عامة ولا ننسى انسحابه من الاجتماع العالمي للاقتصاديين العالمين في دافوس ردا على مقاطعة رئيس الكيان الصهيوني له في خطابه المخصص ب3 دقائق فقط.
كما لا ننسى مواقفه المشرفة تجاه أبناء غزة وإرسال قافلة المساعدات الإنسانية والإغاثية وبعثة التضامن معهم على سطح السفينة التركية “مرمرة” وكذلك تمسكه بتسوية عادلة ومشرفة تجاه أحداثها الدموية آنذاك حتى وصل الأمر بقطيعة كاملة بعد علاقات تطبيع مطلقة مع إسرائيل كل هذا انتصارا لكرامة المواطن التركي.
كما أننا لا ننسى مواقفه المشرفة تجاه الاقتصاد التركي المنهار وسياساته الاقتصادية الموزعة على خطين متوازيين أثبتا فاعليتهما وكفاءتهما معا:
الاقتصاد الاجتماعي المحرك للسوق الداخلية، والاقتصاد الخارجي من خلال الاستثمارات العملاقة وتشجيع السياحة على امتداد نحو80 مليون كم، ما أدى إلى حذفه 6 أصفار دفعة واحدة من العملة التركية، وهذا انتصار تاريخي للسياسة الأردوغانية والحزبية للعدالة والمساواة بحد ذاته.
كما لا ننسى مواقفه البطولية من الانقلاب العسكري في مصر وتولي العسكر بقيادة السيسي لمقاليد الدولة بدلا من الحكم الشرعي المنتخب الذي يمثله “محمد مرسي”.
ولا ننسى مواقفه المشرفة تجاه الداخل التركي إذ حافظ على سياسة تصفير المشكلات الداخلية والعامة ليتمتع المواطن التركي بدرجة عالية من الأمان على مساحة الدولة إذ لم يوتر العلاقات باستخدام ورقة الضغط على الأكراد من خلال تفعيل حكم الإعدام لعبدالله أوجلان تلك الورقة التي ما فتئ “سيزر” يلوح بها في كل مناسبة.. أو استثمار ورقة مذابح الأرمن في القرن الماضي بل كان حريصا على القيادة المرنة مع كافة مكونات الدولة التركية.
ولا ننسى المواقف المشرفة تجاه التجربة الإسلامية المعتدلة الوسطية في تجربة ناجحة ونادرة في آن بين العلمانية والإسلام منقطعة النظير.
وأخيرا المواقف المشرفة بسلسلة القرارات البطولية تجاه الأزمة السورية التي تبدأ بتجريم الأسد والدعوة لتغيير السياسة الداخلية في سوريا مرورا باستقبال نحو 3 ملايين لاجئ سوري وانتهاء بقرارات التجنيس للكفاءات السورية في تركيا.
كل هذا وأكثر كفل لأردوغان أن يرفع رصيده ليس بين مؤيديه ومناصري حزب العدالة والتنمية بل حتى إن هذه المواقف المشرفة فرضت الاحترام حتى على المؤسسة العسكرية التركية، ومختلف مؤسسات الدولة سواء الأمنية أو الاقتصادية أو الحزبية.
فإن إيمان أطياف الدولة التركية ويقينها بوجود رجل دولة قائد للمرحلة الراهنة هو الكفيل بأن يجمع الأطراف المختلفة معه حول بعض من التفاصيل والسياسات والكيفيات التطبيقية للمبادئ الدستورية في البلاد أن يلتفوا في لحمة واحدة ضد العسكرة وانقلابات الأجندات الخارجية التي تحاول النيل من السياسة التركية والنجاحات والتقدم الحاصل على الأرض من 2003 وما لا يمكن توقع تبعاته فيما استطاع تغيير الدستور ونقل السلطة التنفيذية لشخصية الرئيس فقد يقطع بهذا الطريق على الانقلابات العسكرية نهائيا في حياة الدولة التركية المستقبلية.
المركز الصحفي السوري_ علاء العبدالله