مراقبون يرون أن النظام الإيراني يخشى الحقائق أو يشعر بقلق بالغ حيال الفضائيات والبرامج الإخبارية الموجهة، التي توفر للشعب الإيراني فرصة الاطلاع على ما يدور من حوله.
‘الدش’ في مواجهة الدبابة
ذكرت وكالة باسيجي نيوز الموالية للحرس الثوري الإيراني أن السلطات المحلية دمرت نحو مئة ألف طبق لاقط ووسائل استقبال أخرى للبث التلفزيوني بالأقمار الصناعية. ونقلت الوكالة على لسان قائد قوات التعبئة الشعبية الجنرال محمد رضا نقدي أن “مليون شخص شاركوا في هذا البرنامج”.
وزعم الجنرال الإيراني في تبريره لهذا الفعل أن “محطات التلفزيون الفضائية تؤدي بشكل عام إلى الفساد وتضر بثقافة مجتمعنا ومن آثارها ارتفاع عدد حالات الطلاق وانتشار المخدرات وغياب الأمن”، وذكر ذلك في مؤتمر صحافي تم تنظيمه قبل تدمير هذه الأدوات في حفل رسمي.
يحظر القانون الإيراني امتلاك وبيع أجهزة استقبال البث التلفزيوني. وهناك غرامات مالية تفرض على المخالفين تصل إلى نحو 3 آلاف دولار.
ولا تتوفر هذه الأجهزة في الأسواق لكنها موجودة في جميع أنحاء البلاد بشكل غير علني ويملك غالبية المواطنين هذه الأجهزة. وطالما كان هذا القانون محل خلاف وجدل بين التيارات السياسية الإيرانية، حيث سبق أن دعا وزير الثقافة الإيراني علي جنتي إلى “تخفيف” قبصة هذا القانون.
وأشار إلى أن نحو 70 بالمئة من الإيرانيين ينتهكونه، بينما اعتبر الرئيس حسن روحاني أن حظر هذه الأطباق “غير مفيد ويأتي بنتائج عكسية”.
يعكس مثل هذه الصراع العبثي دلالات بالغة الأهمية أولها تشير إلى هوية الحاكم الفعلي لإيران، ففي نظام الولي الفقيه الثيوقراطي يبدو الرئيس ووزير الثقافة مثل المتفرجين، ولا يمتلكان أدنى سلطة في تطبيق سياستهما أو قراراتهما وتوجهاتهما الرسمية، حيث تبدو السلطة والقبضة الحقيقية بيد الحرس الثوري، الذي يقف وراء سن قانون الحظر وتطبيقه على أرض الواقع.
وتتعلق الدلالة الثانية بفكر النظام، الذي يبدو من الهشاشة والضعف بحيث يخشي تأثير الفضائيات التلفزيونية والأطباق اللاقطة، فالنظام الذي لا يكف عن التصريح بالدعم الشعبي له يطارد أشباحا تلفزيونية، ويتهرب من حل مشاكل إيران الحقيقية ويكتفي بالبحث عن أسباب ومبررات وهمية لها.
لا يمكن لعاقل أن يصدق أن الفضائيات تقف وراء ارتفاع معدلات الطلاق، أو أنها سبب مباشر في انتشار المخدرات وغياب الأمن، ثم ما علاقة الفضائيات من الأساس بالمخدرات والأمن؟ فلو صحت مثل هذه المزاعم الواهية لكانت دول العالم جميعها غارقة في داء إدمان المخدرات.
لا شك في أن لوسائل الإعلام التقليدية والجديدة تأثيرا كبيرا على الجمهور المتلقي، وقد لعبت هذه الوسائط، خصوصا مواقع التواصل الاجتماعي، دورا بارزا في تغيير وجه الشرق الأوسط خلال السنوات الأخيرة.
نظام يستنفر قواه وحرسه الثوري في مواجهة حشود الأطباق اللاقطة هو نظام بائس ومتهافت وفاقد للثقة بالذات، بل هو في حقيقة الأمر نظام خارج التاريخ
وتعي إيران جيّدا تأثير هذه الوسائل الموجهة والتحريضية في إطاحة أنظمة حكم قائمة على تسويق الخداع والأوهام والمؤامرات لشعوب ظلت لسنوات وعقود مضت تثق في ما تراه عبر “الشاشات” وتعتبر الإعلام مصدرا رسميا للحصول على المعلومات والحقائق، ولم تكن قد أفاقت بعد على ما جرى من تحولات متسارعة في السنوات الأخيرة.
وأحدث مثال على دور الإعلام ومدى تأثيره هو شاشة “سي إن إن ترك” التي كانت لاعبا رئيسيا في إفشال محاولة الانقلاب في تركيا مؤخرا بإذاعتها المناشدة التي وجهها الرئيس أردوغان للشعب كي ينزل الشوارع ويدعم النظام في مواجهة الانقلابيين. ولكن خوف النظام الإيراني ليس من هذا النوع من التأثيرات، بل هو يخشى مجرد إظهار الحقائق وفضح ممارسات قادته وسياساتهم العدائية تجاه دول المنطقة والعالم.
ويملك النظام الامتياز الحصري للبث التلفزيوني والإذاعي. ويعين مرشد الجمهورية الإيرانية، رئيس منظمة الإذاعة والتلفزيون ويشرف على سياسات وسائل الإعلام. ويعكس هذا الأمر قلق النظام حيال أسسه الأيديولوجية المتهافتة، التي يثق أنصاره في أنها لا تصمد أمام أي نقاش منفتح، وأنها لا تمثل سوى بقايا الأنظمة الأيديولوجية التي انهارت وتفككت في العالم أجمع ولم يعد لها وجود سوى في دول مثل كوبا وإيران وكوريا الشمالية تقريبا.
يزعم الجنرال محمد رضا نقدي، الذي يقود الحملة ضد الأطباق اللاقطة، أن الشبكات المتلفزة تضعف أساس العائلة وتضر بدراسة الشباب، وأن الأطفال المتأثرين بهذه الفضائيات “غير مهذبين” في المدرسة ومع آبائهم.
لكن الحقيقة أن النظام الإيراني يخشى الحقائق أو يشعر بقلق بالغ حيال الفضائيات والبرامج الإخبارية الموجهة، التي توفر للشعب الإيراني فرصة الاطلاع على ما يدور من حوله، واكتشاف حقيقة ما يفعله النظام الإيراني في دول المنطقة من مؤامرات ومكائد ودسائس وتدخلات عسكرية تنفق عليها مليارات الشعب الإيراني، الذي يعاني الفقر والفساد والغلاء والتضخم وسلسلة طويلة من المشاكل التنموية وصولا إلى الصعوبات البيئية التي تجعل الكثير من المدن الإيرانية غير صالحة للحياة الآدمية في ظل الارتفاع القياسي في معدلات التلوث بهذه المدن. لذلك فلا شكّ في أن نظاما يستنفر قواه وحرسه الثوري في مواجهة حشود الأطباق اللاقطة هو نظام بائس ومتهافت وفاقد للثقة بالذات، بل هو في حقيقة الأمر نظام خارج التاريخ.
العرب سالم الكتبي